بقلم : طارق الشناوي
كنوز وزارة الثقافة التى لا تُقدر بثمن من عروض أوبرا وباليه ومسرحيات وأوبريتات وأغان وحفلات وندوات وغيرها، هذا الكنز الثمين صار الآن متاحا لنا عبر شاشات التليفزيون الرسمى، وأيضا من خلال القناة الخاصة التى أطلقتها وزيرة الثقافة د. إيناس عبد الدايم، توقفت الأنشطة، وساحة دار الأوبرا أسدلت ستائرها وأطفأت أنوارها تمشيا مع الإجراءات الاحترازية، بل وألغيت حتى الاجتماعات التى تعقدها اللجان المتخصصة فى المجلس الأعلى للثقافة، صار مجالها العالم الافتراضى، وكان البديل هو أن نشاهد من منازلنا أعمالا فنيا تقدمها لنا وزارة الثقافة.
كثيرا ما كنت أتابع الكاميرات وهى توثق حفلات الأوبرا وغيرها ولكنها لا تخرج للناس، ولا أدرى كيف يتم حبس هذه المادة داخل حجرات وزارة الثقافة غير المؤهلة أصلا للحفاظ على تلك المادة الفيلمية، وفقا للشروط المتعارف عليها؟ أغلب المسرحيات تم تصويرها ثم صارت رهن الاعتقال الأبدى، تمكنت الوزيرة من مواجهة هذا التوقيت الصعب فى بث طاقة نور وأطلقت قناة فضائية حتى لو كانت التقنيات المستخدمة ليست على الوجه الأكمل، ولكن كان لا بد من تلك الخطوة، فى هذا التوقيت الحرج، لتصبح واحدة من المواد الجماهيرية التى تزرع الجمال وتمنحه بالمجان للملايين.
عشنا فى زمن كان الصراع بين وزارتى الثقافة والإعلام هو العنوان، فى سنوات قليلة كانا- إلا أن هذا هو الاستثناء الذى يؤكد القاعدة- تحت قيادة وزير واحد. ما نتابعه يؤكد أن وزير الدولة للإعلام الكاتب الصحفى أسامة هيكل اخترق كل تخوم جبال الحساسية المتعمقة الجذور، والتى جعلت الحرب الضروس بين الوزارتين تستنفد طاقتهما، وأذاب كل العراقيل من أجل تقديم كنوز وزارة الثقافة على الشاشة.
نتذكر المعارك الطاحنة بين صفوت الشريف، وزير الإعلام، رجل المخابرات الأسبق، والذى صعد خطوة خطوة منذ زمن السادات بعد أن أطاح ب د. مرسى سعد الدين، رئيس هيئة الاستعلامات الأسبق، ليجلس على كرسيه، وبعد سنوات قلائل يعتلى كرسى الإعلام، وجاء الفنان التشكيلى فاروق حسنى من الأكاديمية المصرية بروما ليصبح أصغر وزير للثقافة، ونتابع فصولا من تراشق السهام بينهما، وكان هذا يبدوا واضحا فى الصراع حول احتفالات أكتوبر، والتى أحالها صفوت إلى زفة للعريس، تبدد فيها الملايين من أجل إرضاء فقط العريس.
حاول فاروق حسنى أن يجد منفذا على خريطة إعلام الدولة لتقديم الأعمال الفنية لوزارة الثقافة فوجد دائما الأبواب مؤصدة، حاول إنشاء قناة خاصة تابعة للوزارة إلا أنها تعثرت. فى عام 2004 غادر صفوت الشريف وزارة الإعلام ليتولى رئاسة مجلس الشورى وأسند الإعلام لدكتور ممدوح البلتاجى نحو 11 شهرا، ثم أنس الفقى حتى قيام ثورة 25 يناير، وتتابع منذ ذلك الحين نحو ثمانية وزراء ثقافة، ولم يسمح الظرف الزمنى المتاح لأى منهم، حتى لمن جاء فى نفس المنصب مرتين، بأن يفكر خارج الصندوق.لاشك أن تسجيل الأعمال الفنية لوزارة الثقافة طوال عقود من الزمان كان يفتقر فى جزء كبير منه إلى المتخصصين، وهو ما يستتبع وضع خطة إنقاذ وإنجاز القادم وفق شروط إبداعية عالية الجودة، كما أنه من الممكن أن تصبح تلك الأعمال الفنية مصدرا متجددا للدخل، فهى تملك كل مقومات المشروع الاقتصادى الناجح، إنه وجه إيجابى لجائحة تكشف لنا أن للمحنة منحة!