بقلم : طارق الشناوي
قبل يومين وزعت جوائز المجلس القومى لحقوق الإنسان للأعمال الدرامية الرمضانية واقتنصت ثلاثة مسلسلات العدد الأكبر من التكريمات وهى (الاختيار) و(الفتوة) و(ب100 وش). أشارك فى التحكيم منذ عام 2012، اللجنة تضم عددا من الأساتذة والزملاء الأفاضل تعددت أسماء الأعضاء تحت رئاسة المخرجة الكبيرة إنعام محمد على، توقفت اللجنة عاما واحدا 2013، وهو العام الذى شهد انقضاض كابوس الإخوان على قلب مصر، كان وقتها الأستاذ جورج إسحاق يرأس اللجنة الثقافية، وبعد أن انتهينا من التحكيم تواصل معنا قائلا (الجماعة يمنعون- والعياذ بالله- إقامة أى حفل فنى).
وهذه رواية شهودها أحياء، ناصبوا كل الفنون العداء، حتى (الباليه) كانوا يفكرون فى تقديم عروض شرعية، بملابس فضفاضة وممنوع فيها التلامس، صدقونى ليست نكتة.
فى الحفل قال الأستاذ محمد فايق، رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، كلمة موحية مليئة بالظلال، سأكتفى منها بهذا الموقف (تشرشل فى أعقاب الحرب العالمية الثانية منح أرفع الأوسمة لصاحب حانة تقدم عروضا فنية فى زمن الحرب).
أراد الأستاذ فايق التدليل على أهمية الفنون المرحة حتى فى زمن الحرب، علينا أن نتذكر أن الأستاذ فايق عاصر هزيمة 67، كان الاتجاه فى البداية أن تنضم كل الموجات الإذاعية والتليفزيونية فى بث موحد مشترك، أجمعت القيادات على أننا سنواجه الهزيمة بقراءة آيات من الذكر الحكيم، كما قرروا أيضا تقديم كل الأعمال باللغة الفصحى، مذيع الربط فى الإذاعة التليفزيون يقدم عادة برامجه بلغة أقرب لما نطلق عليه (الثالثة) لأنها تقف بين العامية والفصحى، ولكنهم أرادوها فصحى وقورة، تليق بالهزيمة.
تم إنقاذ الموقف، كما روى لى الأستاذ الإعلامى الراحل أحمد سعيد، والذى دفعوه بعدها بأيام لتقديم استقالته، وتحمل الرجل بمفرده كل ويلات الحرب، فى الاجتماع الأخير الذى حضره أحمد سعيد، قالت أصغر الأعضاء سنا، المذيعة نادية توفيق، إن الأرشيف به قصيدة سجلها محمد فوزى (بلدى أحببتك يا بلدى) الذى كان قد غادر حياتنا قبلها بعام، وأظنها هى آخر ما سجله هذا الفنان العبقرى، فصارت هى الأغنية التى تطبطب على قلوب المصريين.
الجزء الأصعب فى الرسالة الإعلامية هو محتوى الدراما، تحولت أيضا إلى الفصحى ومطلوب فقط مناقشة القضايا الجادة، أو ما يعتبرها المسؤول فقط هى الجادة، وجاء الضوء الأخضر من القيادة السياسية ممثلة فى الرئيس جمال عبد الناصر، أعيدوا الابتسامة للمصريين، وتبلورت فكرة (شنبو فى المصيدة) التى كتبها الساخر الكبير أحمد رجب، ولعب بطولتها فؤاد المهندس وشويكار ويوسف وهبى وأخرجها يوسف حجازى، وبعد اقل من عام قدمها المخرج حسام الدين مصطفى على شريط سينمائى لتصل الرسالة، أن مصر ستواجه الهزيمة بالضحك والسخرية، هل تتذكرون المقدمة الموسيقية (شنبو يا شنبو / والله ووقعت يا شنبو)، إنها ترديد موسيقى ساخر لأغنية وطنية لحنها الموسيقار كمال الطويل وغناها عبد الحليم (بلدى يا بلدى/ بلد الأحرار يا بلدى)، تم استدعاء الشاعر الغنائى الساخر فتحى قورة ليكتبها فى لحظات، ولم يعتبرها أحد تنال من أغانينا الوطنية، تقبلوا الابتسامة بروح متسامحة، عبرت مصر هزيمة 67 إلى انتصار 73 بفضل جنودها البواسل وقيادتها الشجاعة، وبفضل القوة النفسية لشعب مصر العظيم الذى واجه بشاعة الهزيمة بروحه الساخرة!!