توقيت القاهرة المحلي 04:19:23 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أفلام الثورات العربية.. وخفوت الجاذبية فى الشارع

  مصر اليوم -

أفلام الثورات العربية وخفوت الجاذبية فى الشارع

بقلم : طارق الشناوي

يبدأ الفيلم بلقطات تسجيلية (أبيض وأسود) فى عام 62 مع الشعب الجزائرى وهو يحتفل بانتصاره بعد أن دفع ثمنًا غاليًا، مليونًا ونصف المليون شهيد لتحرير أرضه، ونستمع إلى الجماهير وهى تردد النشيد الوطنى الذى كتبه كسلاح للمقاومة الشاعر الجزائرى مفدى زكريا ولحنه الموسيقار محمد فوزى، وتبدأ كلماته الهادرة فى وجه المحتل الفرنسى المتوعدة بالنغمات «قسمًا بالنازلات الماحقات» وكان الفدائيون يرددونه وهم يضعون أرواحهم على أياديهم فى مواجهة جنود الاحتلال، الكلمات بالعربية الفصحى لتؤكد هوية هذا الشعب، وعلى الشريط السينمائى تتغير الصورة من زمن الستينيات بكل تفاصيله وظلاله لنرى الشاشة ملونة، حيث إنها تنتقل قرابة 60 عامًا تتناول اللحظة الحاضرة وخروج الملايين مجددًا من أجل الدفاع عن الكرامة والحرية والعدالة وتحطيم صنم يرى أن الاستمرار وبقاء الحال على ما هو عليه هو فقط الثمن الطبيعى للاستقرار.

كانت الجزائر بعيدة عن الانخراط فى الحراك الشعبى وترديد نفس الشعار الذى بدأ فى تونس مع نهاية عام 2010 (الشعب يريد إسقاط النظام) فيما عرف بثورات الربيع العربى، كان الشعب يريد أن تصل رسالته السلمية للسلطة السياسة الممثلة فى المناضل عبدالعزيز بوتفليقة الذى كان يمثل فى الضمير الجمعى الجزائرى آخر الأسماء التى لاتزال على قيد الحياة من بين رجال ثورة التحرر، وهو الذى أنهى فى الجزائر ما عُرف بـ(العشرية السوداء).. إنها تلك السنوات التى تناثرت فيها الدماء الذكية على الأرض بسبب الذين تدثروا عنوة بالإسلام وباتوا يمنحون للدماء مشروعية، تمكن بوتفليقة من إيقاف هذا النزيف، وهو ما يمكن لأحد أن يسلب منه هذا الإنجاز، مهما شابت الحكم بعد ذلك مظاهر فساد.

التمسك بالكرسى أبقاه هو والحاشية أكثر من عشرين عامًا، وكان يطمح فى المزيد، وهنا كان ينبغى للشعب أن يقول كلمته، الثورة الجزائرية فى الشارع لم تتوقف موجاتها حتى بعد نجاحها فى إيقاف سيناريو التمديد، ولايزال من طقوس قطاع من الشعب التظاهر كل يوم جمعة، فهو معترض على الاستحقاق الرئاسى الذى أتى بالرئيس عبدالمجيد تبون، بحجة أنه كان رئيسًا للوزراء وعمل أيضا وزيرًا أكثر من مرة فى عهد بوتفليقة.. حققت المظاهرات هدفها، ولكن لا يزال هناك من يريد رئيسًا كان بعيدًا تمامًا عن الاقتراب من السلطة السياسية السابقة والتى تجاوزت عقدين من الزمن.

فى كل الأحوال، كان المخرج جزائرى الجذور برازيلى الهوية، كريم عينوز، الحاصل على العديد من الجوائز العالمية وآخرها جائزة قسم (نظرة ما) فى مهرجان (كان) الأخير بفيلمه (عوالم خفية)، بينما فيلمه الجديد (نرجس) يرتكن إلى رؤية توثيقية للحظة، الفيلم الجديد عرض فى قسم (البانوراما) ومرشح بقوة لجائزة الجمهور. لاحظت أن قطاعًا معتبرًا من الجمهور الجزائرى حرص قبل يومين فى العرض الأول للفيلم بالمهرجان على الحضور بكثافة عددية لمؤازرة فيلم يمثل بلدهم بالمهرجان، وأيضا التصويت له لنيل جائزة الجمهور، وهو كشريط سينمائى يستحق فعلًا الإشادة.

الفيلم يتتبع حياة يوم من متظاهرة، والتى بدأت رحلتها فى الشارع مع الأيام الأولى للثورة الجزائرية، المخرج يمنح الجمهور من خلال عين الكاميرا الإحساس بالحرية فى اختيار اللقطات، تنقل الكاميرا بحياد الحياة فى الشارع ونشاهد الجميع- فى لقطات محايدة قبل الاحتشاد السلمى الجماهيرى - مثل طفل يلهو مع أسراب الحمام على الأرض، عجوز تعبر الشارع، ثم يبدأ الشارع فى إعلان الغضب.. ونتابع بطلة الفيلم، وهو تعمد ألا يطلق عليها مناضلة ولكن متظاهرة لتصبح واحدة من الملايين، ووصف حالة الفيلم من خلال رصد اجتماعى (يوم فى حياة متظاهرة) فهى مثل الآخرين، وكانت أيضا تتحرك بعفوية، فهى كما يبدو لنا لم تكن تضع فى العادة مكياجًا على وجهها، ولكنها بسبب التصوير وضعته وقالت ذلك مباشرة.

فى السنوات الأخيرة، صار من النادر أن تجد أفلامًا تتناول الربيع العربى مساحة فى المهرجانات، بعد أن كانت هى الهدف، وبالطبع كُنت مواكبًا لكل تلك العروض بداية من 2011، حيث لحق مهرجان (كان) بتلك الأفلام لمؤازرة هذه الثورات، من خلال الحفاوة بالأفلام ومنحها مساحات على جداولها، ناهيك عن التكريم الأدبى الذى حظى به مخرجو هذه الأفلام، كانت السينما العربية فى الدول الثلاث «مصر وتونس وليبيا» منذ البدايات حاضرة بقوة فى (كان) 2011، والكتالوج الرسمى للمهرجان أفرد مساحة لها بكان، رغم أنه تم إعدادها وفى أسابيع قليلة حتى تلحق بالمهرجان، وجاء فيلم (18 يوم)، الذى رصد بعيون عشرة مخرجين مصريين وشارك فى تمثيله عدد من كبار نجومنا، هو الفيلم الأشهر بين تلك الأفلام، وحتى الآن لم يجد بعد عرض (كان) دارًا ترحب به ولا حتى على (اليوتيوب)، ولم يقل أحد الحقيقة، هل الدولة لا ترحب بالفيلم أم أن المشاركين فى تنفيذ الشريط- وكلهم متبرعون- تغيرت قناعات العدد الأكبر منهم تجاه ثورة 25 يناير؟، وأتصور أن الإجابة الثانية هى الصحيحة فهم لم يتحمسوا لعرضه، لأنهم أيضا شاركوا على عجالة فى تصويره ولأسباب مختلفة، وبعضهم كان حريصًا على نفى علاقته بزمن مبارك والعائلة الحاكمة، ولهذا شارك فى الفيلم لتبرئة ساحته، ولكن مع مرور السنوات لم يعد الأمر كذلك، ورغم ذلك، فإن هذا لا ينفى أيضا أن موقف الدولة الرسمى البارد تجاه الشريط، والذى أتصور أنه لن يعرض رغم افتقاده أى قدر من الجذب الجماهيرى، ولو عُرض فلن يتحمس له الجمهور. ولا أتصور أن فيلم (نرجس) الجزائرى سوى أنه بعد (برلين) سيحظى بمساحته فى الشارع الجزائرى، خاصة أنه ينهى اللقطات، بينما يتردد فى أعماقنا هذا المقطع من السلام الوطنى، (وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر) وسوف يستمر هذا الشعب العريق الذى دفع مليونًا ونصف المليون شهيد من أجل نيل حريته.. وستواصل السينما توثيق لحظات الكفاح!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أفلام الثورات العربية وخفوت الجاذبية فى الشارع أفلام الثورات العربية وخفوت الجاذبية فى الشارع



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 08:21 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon