بقلم : طارق الشناوي
مع انتشار خبر رحيل الفنان الكبير جورج سيدهم، تردد اسم شقيقه أمير سيدهم، والذى يصغره بسنوات قلائل، أمير كان هو العقل الذى يدير فرقة (ثلاثى أضواء المسرح)، وهو المنوط به إنجاز كل التفاصيل المادية التى تضمن للفرقة استمرارها، منح جورج لأقرب الناس إليه توكيلا عاما يتيح له التصرف فى أمواله، وقبل نحو ربع قرن، وفى لحظة شيطانية، باع أمير كل شىء وهاجر لأمريكا، وأستيقظ جورج من نومه، فلم يتحمل الطعنة من أقرب الناس إليه، وأصيب بجلطة أفقدته القدرة على الكلام والحركة.
أمير أتصوره لا يزال على قيد الحياة، اقترب من الثمانين أو لعله تجاوزها، هل تساقطت دموعه حزنا على شقيقه، عندما أصيب بالجلطة؟، وما هو موقفه عندما علم بخبر الرحيل؟ هل ماتت بداخله كل مشاعر البشر؟.
أتذكر أمير جيدا، وكل من اقترب من جورج بالضرورة كان يعرف أمير، فى كل مرة أذهب للمسرح أجده شعلة من النشاط يتابع كل شىء، ثلاثة مواقف حاسمة عاشها جورج وكان أمير طرفا فاعلا فيها بالضرورة، الأول حريق مسرح (الهوسابير) عام 86، فى أعقاب ما أطلقت عليه الصحافة أحداث شغب الأمن المركزى، الموقف الثانى انفصال سمير غانم عن رفيق مشواره وتوأمه جورج سيدهم، الثالث زواج جورج من د. ليندا مكرم.
فى الموقف الأول سارع بترميم المسرح، فلم يكن هناك بديل عن استمرار الفرقة، فى الثانى دعم شقيقه وأيده فى الاستمرار بعيدا عن سمير، ولعب جورج منفردا بطولة مسرحية (حب فى التخشيبة) والمفاجأة أن دلال عبد العزيز شاركته البطولة، أما ثالث المواقف زواج جورج، كان واقفا على باب الكنيسة يستقبلنا بابتسامة ويودعنا بابتسامة، إلا أنه بدأ يستشعر أن هناك طرفا ثانيا صار من حقه أن يرعى جورج، الذى كان قد تجاوز الخمسين من عمره ولكنه استجاب لنداء الحب، دخول ليندا دائرة جورج لم يكن فى الحسبان، وأمير يعيش على إدارته لجورج، بمقابل، ولكن هل كان يكتفى فقط بالمقابل؟ الوقائع أكدت أن هناك تفاصيل مالية لا يعلم عنها جورج شيئا، أدرك أمير أنه لن تمضى شهور أو ربما أيام إلا وسوف يكتشف جورج كل شىء، وهكذا جاءت خطته فى البيع والهجرة.
مع الزمن نسينا الكثير، ربع قرن كانت كفيلة بإنهاء هذا الملف، جورج صامت بحكم العجز حتى لو كان قادرا، فلم يكن سيبوح بشىء، د. ليندا أيضا بتكوينها النفسى تميل للصمت.
لا أتصور أن جورج كان يحمل أى مشاعر كراهية ضد أحد، جورج إنسان متدين، والمسيحية تضع التسامح والمغفرة قبل الانتقام، بل تدعو لحب الأعداء، وهذا هو سر بقاء جورج سعيدا طوال تلك السنوات، بينما عالمه لا يتجاوز حجرة النوم وجهاز التليفزيون وريموت كونترول، عندما تراه تلمح أن ملاكا يسكنه، وجه وبراءة طفل كانت هى ملامحه، حتى مشهد وداعه بالكنيسة، كانت صورة أم النور (مريم العذراء) هى رفيقته، تذكرت أمير وسألت نفسى هل كان ينام قرير العين طوال ربع قرن؟؟!!.