بقلم : طارق الشناوي
كانت فاطمة رشدى يطلقون عليها (فيديت) المسرح، و(سارة برنار الشرق)، و(صديقة الطلبة). على باب مسرحها الخاص جموع من الشباب يحملون سيارتها حتى لا تطأ الأسفلت، بينما الرجال يتعاركون على إشعال سجائرها بأوراق من فئة المائة جنيه عندما كان الجنيه المصرى أغلى من الجنيه الذهب، وفى مرحلة موازية من ثلاثينيات القرن الماضى، كانت لدينا أمينة رزق، لم تحقق الكثير بالقياس بفاطمة، ولكن تابعوا باقى الحكاية.. مع الأيام فاطمة رشدى لم تستطع أن تواكب تغير إيقاع فن أداء الممثل، ظلت على المنهج القديم ومفتاحه أن الممثل يمثل ويمثل ويمثل، بينما أمينة صارت أكثر بساطة، وهكذا استمرت فى البؤرة حتى وهى على مشارف التسعين، بدأت رحلة فاطمة رشدى فى المعاناة بعد أن تجاوزت الثلاثين، وكان مصيرها الانسحاب والانزواء.
ما الفارق بينهما؟ تلخصه كلمة ترددت كثيرًا على لسان أحمد حلمى فى إعلانات هذا العام (عادى أهه)، هذا هو المفتاح أن تصبح عاديًا تمثل (وإنت سايب إيديك)، وهكذا رأيت الثلاثة الكبار أو الأسطوات الثلاثة فى دراما رمضان، محمود حميدة (لما كنا صغيرين)، وخالد الصاوى (ليالينا 80)، وشريف منير (ونحب تانى ليه)، الأسطوات يقتربون من الستين أو تجاوزوها بقليل، إلا أنهم عصريون فى تقمصهم للشخصيات، رغم أن كل شخصية درامية تُغرى بالإضافة، الثلاثة يجمعهم شىء خاص جدًا وهو القراءة الصحيحة للحياة الفنية، وعدم التعالى على الواقع؛ حميدة شارك فى بطولة المسلسل وهو يعلم أن البطلة ريهام حجاج وأن المشروع أساسًا تم إنجازه من أجل تدشينها كنجمة، صحيح أن الهدف لم يتحقق ولم يسفر الأمر عن نتائج مرضية، ولكن تلك حكاية أخرى، حميدة قرأ النص وتحمس للعمل الفنى وأدى الشخصية بكل ألق، يعزف نغمته الخاصة، مع كل كلمة أو نظرة يبهرنا، لم يبدد طاقته فى معركة خايبة، مثلما فعل خالد النبوى شريكه فى البطولة وصراع ترتيب الأسماء فى (البوستر) أو (التترات)، حميدة مدرك تمامًا أن المشاهد لديه ترتيبه الخاص. الأسطى الثانى خالد الصاوى زاد وزنه وتحشرج صوته وتداخلت لديه حروف الكلمات، كل هذا وظفه فى أداء شخصيته، خالد مدرك قطعًا أن بقاءه جسديًا وأدائيًا على هذه الحال ينبغى ألا يطول، وإلا تحولت الشخصية الدرامية إلى (لزمة) ثابتة فى الحركة والأداء، فيفقد قدرته على التقمص الشكلى ومن ثم النفسى.
الصاوى سوف ينطلق بعيدًا عن كل ما يضعه فى إطار محدد، تواجد فى بطولة رباعية مع غادة عادل وإياد نصار وصابرين، يتحرك بمرونة وفقًا لمعطيات السوق، كان بطلًا فى فيلم (الضيف) لأن الدور فرض ذلك، وضيف شرف فى (الفيل الأزرق) لأن الدور فرض ذلك، وترك بصمته فى الحالتين.
الأسطى الثالث شريف منير لا يزال يمارس التمثيل بأذن الموسيقى، ولهذا يفرض لمسة خاصة، وهكذا شاهدناه المخرج السينمائى المحبط فى حياته الزوجية.. و(نحب تانى ليه)، الصراع الداخلى فى علاقته مع ابنته الوحيدة وزوجته ياسمين عبدالعزيز، التى صارت طليقته، ولكنه يرفض الاعتراف بالواقع. منهج شريف هو البساطة والتكثيف فى الانفعال فكان (عادى أهه).