بقلم : طارق الشناوي
فى العاشر من رمضان 1973 كانت مصر تتأهب لمتابعة برامج الإذاعة والتليفزيون، فى هذا الزمن كانت الإذاعة هى الأكثر تأثيرا، عبدالحليم يُبث له مسلسل (أرجوك لا تفهمنى بسرعة) بطولة عبدالحليم حافظ إخراج محمد علوان على موجة الشرق الأوسط، بينما صوت العرب تقدم لأول مرة وفى نفس التوقيت مذكرات أم كلثوم التى سجلتها بصوتها للإذاعى وجدى الحكيم.فى عصر ذلك اليوم جاءت التعليمات بإيقاف كل ذلك ليواكب الإعلام ما يجرى على حدودنا الشرقية بعد أن استرد الجيش المصرى الأرض والعرض.
أوقفت السينما أيضا عروضها فى عز النجاح الجماهيرى لـ(خللى بالك من زوزو) الذى كان يحقق أعلى الأرقام فى شباك التذاكر، ولا يزال يعد من بين أكثر الأفلام المصرية تحقيقا للإيرادات، الخريطة الإذاعية لا تقدم سوى الأغانى الوطنية بدأت بـ(ع الربابة بغنى) عبدالرحيم منصور وبليغ حمدى ووردة، ولم تنافسها فى البداية، سوى (يا حبيبتى يا مصر) محمد حمزة وبليغ حمدى وشادية رغم أنها مسجلة قبلها بثلاث سنوات.
هل كانت الإذاعة فقط لا تقدم سوى البيانات العسكرية والأغانى الوطنية ولقاءات مع الخبراء العسكريين - لم يكن تعبير استراتيجى مستخدما وقتها؟ فى الحقيقة كانت هناك نافذة صغيرة أطلق عليها الناس اسم (محطة أم كلثوم)، رغم أنها رسميا بلا اسم ولا توجد أساسا فى (ماسبيرو)، وغير مسموح للصحافة الإشارة إلى أى تفاصيل متعلقة بها، كانت تستولى على الأذان يوميا من الخامسة عصرا حتى العاشرة مساء، تبدأ بأغنية لأم كلثوم وتنتهى أيضا بأم كلثوم، وبينهما أغنيات عبدالوهاب وفريد ونجاة وفوزى وشادية ومحرم ورشدى، الترتيب لا يتغير، والشريط بنفس التتابع ونفس الأغانى يذاع كل 30 يوما، وكل يوم شريط آخر مع فقط تغيير الأغانى، لا يوجد مذيع، ولها قصة أثناء معركة 56 كانت الإذاعة المصرية ومبناها القديم فى شارع (الشريفين) هدفا للعدوان لإسكات صوت مصر، وعلى الفور وضعت الأجهزة خطة بديلة بتلك الموجة الإذاعية السرية والتى لم يتم الإعلان عنها طبعا، بعد أن نجت الإذاعة المصرية من محاولات الضرب.
ظلت الأجهزة تملك موجة إذاعية احتياطية، فتقرر أن تبث الأغانى المبرمجة مسبقا وبلا تدخل أى صوت إذاعى وذلك منذ منتصف الستينيات، وأثناء هزيمة 67 بينما الوشاح الأسود يسيطر على الإعلام كانت الموجة أيضا مستمرة فيبث وتقديم أغان عاطفية.
بالطبع تضاءل عدد مستمعيها مع بزوغ الألفية الثالثة، الإذاعة الرسمية صارت لديها أكثر من قناة غنائية تبث إرسالها 24 ساعة، ولكن بقى الدرس، ضبط الجرعة فى وقت الأزمة، نعم موجة الناس الآن توقفت عند كورونا وحظر التجوال، لماذا لا نخلق لهم موجة موازية هدفها تحقيق التوازن النفسى. مثلا أيام وتأتى ذكرى عبدالحليم حافظ، وهى مناسبة لكى نخرج بعيدا عن المقرر اليومى، أنا لم أقل أبدأ أن نغفل ما يعيشه الناس ولكن خلق موجة موازية مطلوب الآن (أرجوك افهمنى هذه المرة بسرعة)!!