بقلم:طارق الشناوي
كان الهجوم قاسياً بل ومتجاوزاً، بعد احتفالية محمد صبحي بنفسه ولصالح نفسه ومن أجل نفسه، عندما اكتشف أنه مضى على اشتغاله بالفن 50 عاماً (اليوبيل الذهبي)، فأراد أن يزهو بما قدمه. حاول صبحي أن يمرر ذلك بوضع قطعة من السكر على الحفل، عندما قال إنه يحتفل بمن ساعدوه طوال مشواره، بينما الحقيقة أنه يحتفل بصبحي وإنجازه كممثل ومؤلف ومخرج ومنتج. صنع تمثالاً لوجه صبحي، ليمنحه لكل من أراد أن يكرمه، فهو يكرم صبحي أولاً.
عندما قالوا له كيف تمنح تمثالاً لصبحي وليس لمن تكرمه، جاءت إجابته أنه (هاملت) لوليم شكسبير وهو صحيح تماماً، أول مسرحية قدمها للجمهور، هي (هاملت)، إلا أن (هاملت) لعبه مئات من الممثلين على مدى تجاوز 400 عام، كل من أدى الدور صار (هاملت)، وهكذا تعددت الصور.. (هاملت) في تلك النسخة المصرية بالضرورة يشبه صبحي.
إنه حالة خاصة في تاريخنا المسرحي المعاصر، استطاع أن يقدم فناً موازياً، لا هو مسرح الدولة ولا هو أيضاً قطاع خاص. الأول من الممكن أن يقدم قيمة فكرية يعوزها الحضور الجماهيري، والثاني في الأغلب يلهث فقط وراء التجارية. صبحي اختار الطريق الثالث، القيمة الفكرية والإقبال الجماهيري معاً، هذا العناق هو الشفرة التي اكتشف لغزها، والذروة التي تمكن من اعتلائها.
من أجل هذا يستحق قطعاً التكريم، إلا أن السؤال: هل يعتقد أحدكم أن الدولة سوف تمنحه مثلاً جائزة، كما قال نجيب محفوظ (آفة حارتنا النسيان)؟ التجارب السابقة أكدت أن لا أحد يتابع أو يهتم. ارتبط صبحي في البداية مع الكاتب الكبير الراحل لينين الرملي، ومع الزمن حدث كما تكرر، في أغلب الثنائيات، الانفصال، وكل منهما شق طريقه بمفرده، عند وداع لينين قال صبحي وهو يرثيه، لم نكن ثنائياً كما تعودت (الميديا) أن تصفنا، كنا واحداً. وعندما بدأ كل منا يذهب بعيداً بفكره وهدفه وأحلامه، انفصلنا. ورثة لينين الرملي لم يشاركوا في الاحتفال لإحساسهم أن هذا هو بالضبط ما كان سيفعله لينين لو امتد به العمر، وعلينا أن نحترم قرارهم.
كثير من النجوم الجدد فتح صبحي لهم الباب من خلال فرقته المسرحية مثل مصطفى شعبان ومنى زكي وقبلهما صلاح عبد الله وهاني رمزي وأحمد آدم، وغيرهم، أغلبهم يقدرون صبحي، بعضهم لديهم ملاحظات سلبية، إلا أن الصورة العامة لصالحه، رغم قسوته، لو خرج أحدهم على النص أو تأخر على موعد (بروفة)، مع الزمن قد يغفر البعض وأحياناً يشتعل الغضب الكامن في النفوس أكثر.
يراه البعض نرجسياً والبعض ينعته بالمنافق لكل سلطة، وهناك من يعتبره أخلاقياً في أحكامه الفنية، ينادي بتحجيب وتحجيم الإبداع، ولست هنا في مجال تفنيد أو نفي تلك الاتهامات أو غيرها.
السؤال المسكوت عنه: هل صبحي هو الوحيد النرجسي؟ أم أنه فقط من يحرص على إرضاء السلطة؟ أم أنه منفرداً يرفع شعار تطبيق الأحكام الأخلاقية على الإبداع، مع الأخذ في الاعتبار، رجل الشارع يطالب أيضاً بذلك؟!
محمد صبحي احتفل بـ(اليوبيل الذهبي) لمحمد صبحي، مردداً السؤال الوجودي نفسه الذي أعلنه (هاملت) شكسبير، أكون أو لا أكون؟ صبحي حسم الإجابة وقرر أن يكون، وبعدها، (يكون ما يكون)!!