بقلم : طارق الشناوي
استمعت، أمس الأول، عبر أثير (محطة الأغانى)، فى عيد ميلاد محمد عبد الوهاب، وهو يقول: (إن أجمل وأروع إحساس يشعر به هو تلك اللحظة التى يعود فيها إلى منزله ليلتقى بأهم إنسان وهو محمد عبد الوهاب).
لا تنسى أنه معبود النساء اللاتى كن يتزاحمن خلال العشرينيات من القرن الماضى للوقوف على باب الحمام، وعندما يغادره تمنحه كل منهن ذيل فستانها لتنال شرف التباهى مع قريناتها بأنه مسح بفستانها يديه الكريمتين، أسطورة عاشت على هذه الأرض نحو 90 عاما، وسيمنحه الزمن حيوات أخرى.
هو الذكاء وخفة الظل وسرعة البديهة و(الكاريزما)، لم يقبل سوى أن يظل على القمة، وحتى اللحظة الأخيرة، ظل يداعب أوتار عوده ليقدم، ليس فقط أعذب الأنغام، ولكن النغمة القادمة.
لم يتعال على الجديد، يتأمله ويدرسه، وهو ما دفع الموسيقار الكبير كمال الطويل إلى أن يصفه بـ(النشافة)، أى يأخذ من كل ما يستمع إليه، ثم يعيد تقديمه بأسلوب (وهابى).
عرفت عبد الوهاب والتقيته أكثر من مرة، بل كان سببا مباشرا فى تعيينى بمجلة (روز اليوسف)، وأنا لا أزال طالبا بكلية الإعلام، رغم أن هذا يخالف اللوائح، التى تقضى أولا بالحصول على مؤهل عال، ثم أداء الخدمة العسكرية، والذى حدث هو أنى تواصلت معه نهاية السبعينيات لإجراء حوار، إلا أنه قبل 24 ساعة قرر التأجيل، ولم يكن معه رقم تليفون المنزل تواصل مع (سويتش) المجلة فرد عليه أشهر عامل (تليفون) فى الصحافة المصرية (عم عوف)، وكان يعرفه منذ زمن الست (روزا)، قرر عوف أن يوصله مباشرة برئيس التحرير ومجلس الإدارة الأستاذ مرسى الشافعى، الذى فوجئ بأنه يتلقى مكالمة تخص صحفيا تحت التمرين من موسيقار الأجيال، شعر بأنه يجب أن يحتفظ بهذا الصحفى، فأصدر قرار تعيينى واستكملت الأوراق بعد رحيل الأستاذ مرسى بنحو عامين.
عبد الوهاب أيضا، فى منتصف الثمانينات، حاول رفتى من الصحافة عندما كتبت فى مجلة (الوادى)، أحد إصدارات مؤسسة (روزا)، تحقيقا عنوانه (أنا والعذاب وعبد الوهاب)، حوار طويل مع الموسيقار رؤوف ذهنى الذى قال إنه لحن لعبد الوهاب من الباطن، لم أكتف فقط بهذا القدر، بل أضفت رأى عدد من كبار الملحنين لهم حكايات مشابهة، مثل محمد الموجى ومحمود الشريف وعبد العظيم عبد الحق ومختار السيد وغيرهم، اعتقد عبد الوهاب أن التحقيق مدبر للنيل منه، تواصل مع الأستاذ صبحى عبد الحكيم، رئيس المجلس الأعلى للصحافة، الذى بدوره اتصل بالأستاذ لويس جريس، العضو المنتدب للمؤسسة، لاتخاذ اللازم، ووعده الأستاذ لويس بإصلاح الموقف وأصدر تعليماته لكل مطبوعات المؤسسة بعدم إغضاب عبد الوهاب مرة أخرى. مع الزمن هدأت الجراح، كنت أتصل بالموسيقار الكبير وكان يرد مباشرة ويراجعنى عندما أقول (الأستاذ) يقول لى: (ما تقولش أستاذ) أنا عمك زى بالضبط كامل ومأمون الشناوى.
إنه مجموعة نادرة من المواهب، وكأنه كنز (على بابا) زمرد وياقوت ومرجان.
من بعيد تعتقد أنه أرستقراطى بخيل، من قريب تتأكد أنه ابن بلد كريم، عندما كان عمى مأمون تنتابه أى ضائقة مالية، يسارع بالاتصال بعبد الوهاب وعبد الحليم، حتى يأخذ سلفة من شركتهما (صوت الفن) يسددها من خلال تعاقداته القادمة، فيكتشف أن الذى وقع على الشيك وبرقم مضاعف لما طلبه هو فقط عبد الوهاب، نعم يستحق عبد الوهاب أن يسعد ونص بلقاء عبد الوهاب!!.