بقلم : طارق الشناوي
ثلاثة من الموهوبين جمعتهم (دكة) واحدة فى معهد السينما، تحديدًا عام 63، كانت مصر فى حقبة عبدالناصر تعيش تحت مظلة زهو الانتصارات الاقتصادية والاجتماعية، و(تماثيل رخام ع الترعة وأوبرا)، والأحلام لا تعرف نهاية، وجاء عام تخرجهم مواكبًا لأكبر هزيمة تعرضت لها الدولة فى العصر الحديث، استيقظ الجميع على كابوس يونيو 67.
تجاوزوا العشرين بسنوات قليلة، أقصد داود عبدالسيد وعلى بدرخان وخيرى بشارة، أشطرهم فى الدراسة خيرى بشارة، كان يقرأ ويحفظ المقرر وخارج المقرر، حكى لى على بدرخان أن والده أحد رواد السينما المخرج أحمد بدرخان وكان يدرس لهم بالمعهد، قرر أن يخصم منه درجتين وحكى لأمه السبب: (الولد بيتفلسف فى الإجابة، عارفها بس بيلف ويدور، كان يستحق الدرجة النهائية، ولم أمنحها له عشان يتعلم)، وعاتبت الأم ابنها لأنه أغضب والده بكثرة الفلسفة، وبعد أن حصل على ورقة الامتحان اكتشف أنه قد حصل على الدرجة النهائية، والده اختلط الأمر عليه بينه وزميله (المتفلسف) خيرى بشارة لتشابههما فى الخط.
الثلاثة صاروا عناوين مضيئة لنا فى السينما، أكثرهم مشاغبة وإقبالًا على الحياة خيرى بشارة، وأقلهم حظًا فى التكريم أيضا خيرى بشارة.. اكتشفت أنه لم يحصل على أى من جوائز الدولة، بينما نال على بدرخان أرفع جائزة (النيل)، وداود (التقديرية).. سعدت بتكريم مهرجان (البحر الأحمر) فى دورته الأولى التى كان مزمعا عقدها مارس الماضى لولا جائحة كورونا، الدورة ألغيت ولكن التكريم قائم.. وهكذا أصدر المهرجان كتاب (المتمرد) للزميل الناقد محمد السيد عبدالرحيم.. أعادت إدارة المهرجان، من خلال المدير الفنى المخرج السعودى الموهوب محمود الصباغ، الحياة لأفلام بشارة مثل (العوامة 70) و(الطوق والأسورة) و(يوم حلو ويوم مر) و(أيس كريم فى جليم) و(كابوريا) و(حرب الفراولة) و(إشارة مرور).. وغيرها، كما رممت بعض أفلام يوسف شاهين وأفلام المصور السينمائى السعودى صفوح نعمانى، والخطة ممتدة فى كل دورات المهرجان القادمة.
حرص المهرجان على ألا يرجئ الاحتفاء بخيرى للعام القادم، وهكذا عُرضت أفلامه الأسبوع الماضى فى المملكة فى ظل الاحتراز المطبق بصرامة.. ما قدمته إدارة مهرجان البحر الأحمر بهذا التكريم هو نموذج يحتذى، وكان من المفترض أن يرمم مهرجان القاهرة هذا العام فيلمين كحد أدنى للكاتب وحيد حامد، لأن الحفاظ على الشريط الفنى للمبدع هو التكريم الحقيقى.
(البحر الأحمر) لم يتحدد بعد موعد إقامته واقعيًا، أغلب الظن أنه فى النصف الثانى من العام المقبل، شهر مارس موعده السابق لا يزال تحت مرمى الفيروس، والمعركة من المنتظر أن تحسم فى النصف الثانى من 21.
الترميم ينبغى أن يصبح هو هدف المهرجانات، مهرجان (كان) مثلًا بدأها قبل نحو 15 عامًا بترميم عدد من أهم الأفلام فى العالم، من خلال المؤسسة التى يُشرف عليها المخرج مارتن سكورسيزى، سبق أن رممت أفلام شادى عبدالسلام، وبينها فيلمه الروائى الطويل الوحيد (المومياء)، اعتبر سكورسيزى أن شادى مكتشف أبجدية للفيلم المصرى من خلال اللغة السينمائية التى أبدعها.
خيرى بشارة فنان كبير، ظلمناه كثيرًا على المستوى الرسمى، بينما أفلامه احتلت مكانة متميزة على خريطة الوجدان الشعبى، جاء ترميم مهرجان (البحر الأحمر) لأفلامه مثل قبلة الحياة التى ينالها غريق أشرف على الموت