بقلم : طارق الشناوي
في أحيان كثيرة يصبح الانتحار طلسمًا، على الأحياء سبر أغواره، وغالبا ما نعثر على إجابة ترضينا نحن، إلا أنها ليست بالضرورة هي الإجابة.
يترك المنتحر رسالة أخيرة، الآن (بوست)، هل هو فقط الأخير، أم سبقته رسائل، هل نبوح بكل الأسباب، أم أن ما نضمره أكثر.
الفشل المهنى أو العاطفى بداية خيط الانتحار؟ ليس بالضبط، النجاح يؤدى أحيانا إلى نفس النتيجة، ترخص الدنيا كلها عند مريض الاكتئاب السوداوى، لا يجد من وسيلة للنجاة سوى الانتحار، وغالبا يأتى الطيران، هو الحل، لأنه يعنى التحرر والانطلاق لأعلى، المنتحر يطبق قانون السباحة في الهواء والصعود للسحاب، بينما قانون الجاذبية الأرضية يكتب الكلمة الأخيرة.
انتحر نادر، طالب كلية الهندسة، ما نقرأه أنه شاب ناجح بدليل التحاقه بواحدة من كليات القمة، هل السعادة تتحقق بمجموع درجاتنا في الثانوية العامة؟ يقينى أن المنتحر لحظة نجاح خطته يتمنى التراجع عنها، وهكذا تشبث نادر لمدة ثوان بسور برج القاهرة الحديدى، صديقه هرع مسرعًا إليه ولكن خذلته يداه.
(البوست) الأخير له يرجو فيه الجميع بالسؤال قبل فوات الأوان، لعلها رسالة مضمرة.
دعونا نتذكر ما الذي حدث قبل 18 عاما لسعاد حسنى؟ رغبة في التحرر، ازداد وزن الجسد وتغيرت الملامح، كُثر ممن التقوها في لندن، لم يعرفوها، إلا من صوتها، قررت الابتعاد عن العيون فسافرت لمدينة الضباب، بينما جهاز (الأنسر ماشين) يسجل رسالة بصوتها وهى تغنى (زوزو النوزو كونزو)، توقف بها الزمن عندما كان عمرها 30 عاما في عز جمالها كأنثى (خلى بالك من زوزو)، سعاد لم تترك رسالة، كانت هي الرسالة، فقررنا أن نبحث عن أيدٍ خفية لانتحارها، أرادت صمتها الأبدى، رغم أن المنطق الوحيد في حكاية سعاد هو السباحة لأعلى في الهواء، قرأنا أن مشروعها السينمائى القادم بمصر كان فيلم (بلياتشو)، تريد أن تخفى وجهها حتى أمام الكاميرا؟.
آخر زيارة لصلاح جاهين، قبل انتحاره بساعات، عام 86 في عز نجاحه كانت لسعاد حسنى، أوصله تلميذه شريف منير لمنزلها في الزمالك، وعاد إليه بعد ساعتين لإرجاعه لمنزله في المهندسين، لم تبح سعاد أبدا بما دار بينهما، قالت لى مذيعة الأطفال القديرة فضيلة توفيق (أبلة فضيلة) متعها الله بالصحة والعافية، إن جاهين قال لها قبل أن يغادر الحياة بيومين، سوف ألقى خلال الأيام القادمة بحجر يحرك المياه الراكدة، سألته ما هو الحجر؟ أجابها أنا الحجر.
أرنست هيمنجواى أمسك بندقية خرطوش لها ماسورتان وضعها على الأرض ومال برأسه حتى ينتهى في لحظات، بينما كان يعيش ذروة النجاح المادى والأدبى.
فان جوخ أشهر وأغلى رسام كتب رسالة لأخيه ثيو (التبغ يحترق، والحياة تتسرب، للرماد طعم مر بالعادة نألفه، ثم ندمنه كالحياة تماما، كلما تقدم العمر بنا غدونا أكثر تعلقا بها، لذلك أغادرها في أوج اشتعالى، ولكن لماذا؟ أنه الإخفاق مرة أخرى، لن ينتهى البؤس أبدا، وداعا يا ثيو، سأغادر نحو الربيع).
ذهب نادر أيضا في أوج اشتعاله للربيع، لم يترك لنا إجابة لعلنا نبحث في داخلنا عن إجابة، قبل أن تسارع باتهام المنتحر بالكفر، اسأل نفسك كم مرة فكرت في الانتحار؟!