بقلم : طارق الشناوي
فجأة اكتشف الإعلامى جابر القرموطى، بعد نحو نصف قرن من الزمان، أنه قد ضل طريقه لساحة الغناء، فشاهدناه قبل بضعة أسابيع وهو يعزف على العود، وتقدم بخطوة أبعد، وسجل على (اليوتيوب) أغنية اجتماعية من تلحينه وتأليفه، كان جابر قد حقق نجاحا لافتا مع مطلع الألفية الثالثة، تخصص فى مجال الصحافة المرئية، يلتقط هو وفريق العمل العمود أو المقال أو الخبر المثير ويبدأ فى مناقشة كل الأطراف، لم يكتف جابر بهذا القدر، بل بدأ فى التجويد، فكان مرة يرتدى زى جزار ويحضر معه للاستوديو فخذة ضانى، وثانية نراه سماكا ممسكا بـ(قشر بياض)، وثالثة بوابا على حسب حالة الخبر، مذيع صاحب مزاج، حتى لو أسلوبه لم يرق للبعض، فجأة اختفى جابر من كل الشاشات، لا تستطيع أن تقول مثلا إنه مذيع معارض، على الإطلاق هو مهادن، يدرك السقف، ربما يشاغب فقط فى الهامش المسموح، ليس فقط جابر الذى تم استبعاده، العديد من المذيعين والمذيعات وضعوهم على (الرف) ونسوهم، والأمر ليس له علاقة بقانون العرض والطلب، الذى نضرب له جميعا تعظيم سلام، ولكن ما نراه على أرض الواقع هو إحالة للمعاش المبكر، سوف أفترض جدلا أن بعضهم قد تجاوز السقف، وهذا قطعا وارد، المذيع على الهواء قد تنفلت منه كلمة أو يعتقد أن تلك القضية مسموح بها، ومن الممكن أيضا كإنسان ألا يقتنع بـ(تابوه) ما فيتناوله، كل هذا وارد، وبناء عليه يتم توجيه عقاب محدد الزمن وليس أبديا، استبعاد مذيع أو ضيف، يعنى منعه من التنفس، ولهذا لا يجوز اللدد فى العقاب على جريمة لا يمكن أن نصفها ونحن مطمئنون أنها جريمة.
سوف أفترض أن المستبعدين أخطأوا لأنهم لم يراعوا أننا نعيش فى عنق الزجاجة، كما يتردد دائما خلال 67 عاما مع قيام ثورة يوليو، وكل شىء يجب التعامل معه بدقة، حتى لا تستغله جبهة الأعداء، متفهم قطعا لكل ذلك، ولكن حان الآن وقت إسقاط العقوبات، إذا كانت الدولة حقا جادة فى إعادة النظر لملف الإعلام، الذى فقد الكثير من حضوره على المستويين المصرى والعربى جزءا من حالة التردى الذى نعيشه، فى غياب كل هؤلاء الناجحين فجأة عن الشاشات، وذلك تبعا لنظرية (اضرب المربوط يخاف السايب)، أنا موقن أنه لا يوجد صحفى أو إعلامى يستحق صفة سايب، فالكل مربوط ومدرك أن هناك عيونا تراه وآذانا تسمعه.
رفقًا بهؤلاء الصامدين الصابرين المستبعدين عن الشاشات، ليسوا جميعا لديهم جرأة جابر القرموطى ليقدموا أشرطة غنائية، أظنه لم يستأذن هانى شاكر، نقيب الموسيقيين، وبالتالى من الممكن منعه ويقف فى الصف ووشه فى الحيط مع حمو بيكا وأوكا وأورتيجا وكزبرة وحنجرة. جابر يعلم أنه لو أغلقوا دونه باب الغناء فسوف يجرب حظه فى التمثيل، وإذا منعوه من التمثيل فسيقف على عربة كبدة، مع كل الاحترام قطعا لبائعى الكبدة الشرفاء، إلا أن جابر غير مؤهل لممارسة تلك المهنة ولا غيرها. إنها مأساة يعيشها عدد كبير من الزملاء، ولا أحد يتحرك ويعيدهم إلى مكانهم الطبيعى، هل يجب حتى نشعر بمأساته أن يسمعنا جابر بصوته (ظلموه ظلموه القلب الخالى ظلموه)؟!!.