بقلم : طارق الشناوي
كنت وسأظل مؤمنا بحرية الإنسان فى ارتداء ما يشعره أولا بالسعادة والرضا ويعبر من خلاله عن نفسه وقناعاته، الشخصية والفكرية، طالما أن تلك الملابس لا تحمل تجاوزا، ولا تشى بازدراء للآخر الذى من حقه ارتداء ملابس مغايرة تشبع أيضا قناعاته، لا أعترض على من ترتدى النقاب فى المنزل أو الشارع أو (السوبر ماركت) فهذه حرية شخصية، ولا مصادرة لمن ترتدى (البرقينى) أقصد (المايوه) الذى نعتوه بالشرعى، فهو نتاج زواج بين بُرقع وبكينى، يتيح للمرأة نزول البحر وكأنها ترتدى بكينى، فى نفس الوقت يخفى جسدها عن الأعين وكأنها ترتدى «بُرقع».
الحرية مطلقة للجميع، هذا هو المبدأ، لكن عندما تُصبح وظيفة الإنسان هى التعامل مع الآخرين فى مهن مثل الطب أو التعليم أو الفن والثقافة، أستشعر بالخوف والخطر، الرسالة التى تريدها أن تصل لن تصل أبدا، أو ربما ستصل ناقصة، الممرضة التى تسبقها ابتسامتها تلعب دورا إيجابيا فى زيادة مناعة المريض، تمنحه الأمل فى تجاوز محنته، فما بالكم لو كانت الرسالة معنية أساسا بالثقافة، لما تتطلبه من مقومات شخصية، وقناعات فكرية، هل من الممكن أن تتواصل مع الآخرين خلف النقاب.
هذا هو ما دفع وزيرة الثقافة د. إيناس عبد الدايم، إلى اتخاذ قرار لإيقاف تعيين سيدة منتقبة عن إدارة أحد قصور الثقافة، بينما (السى فى) تؤكد أنها فنانة تشكيلية نجحت فى المسابقة التى أقامتها الوزارة، وحصلت على أعلى الدرجات، هذا يعنى خللا فى معايير الاختيار، لارتكانه فقط للجانب النظرى، هناك اعتبارات ينبغى توفرها، ولا يمكن الحكم عليها إلا بعد اختبار شفهى للتعرف على مقومات الشخصية، وقدرتها على القيادة وتوصيل المعلومة، ومدى رحابتها الفكرية فى التعامل مع الفنون مثل النحت، وتقديم المجسمات والموسيقى والأغانى العاطفية، هل لمنتقبة أن توافق على صناعة التماثيل، هم يحرمونها يعتبرونها عودة لعبادة الأوثان، لديكم فن الباليه يرونه مجرد أجساد عارية، وغيره من الفنون، أنا لا أصادر الحق فى أن يتحول الشارع المصرى إلى (كوزموبوليتان) يتسع لكل الأطياف، الحرية لا تتجزأ، ولكن التعامل الشخصى فى بعض المهن يحتاج إلى مقومات، مثلا مدرسة وتلاميذها، كيف يحدث التواصل، بينما هم لا يرون وجهها.
ما حدث يجب أن يصبح درسا لكيفية التعامل مع حالات مماثلة، سنجدها تتكرر فى العديد من المواقع، المؤسسة الدينية الممثلة فى الأزهر الشريف أقرت أن النقاب عادة وليس عبادة، والعادات ليست من الثوابت، كما أنها غير ملزمة.
مجلس الشعب، يوم الثلاثاء القادم، لديه استجواب مع وزيرة الثقافة، من بين الأسئلة المثارة قصور الثقافة، وكلنا نعلم أن القصور بها قصور، فى المبنى والمعنى، المشكلة ممتدة عدة عقود، تبدأ منذ الثمانينيات، إصلاح وصيانة تلك البيوت المنتشرة فى ربوع الوطن أراه هدفا قوميا ينبغى أن تسخر له كل الإمكانيات المادية والبشرية، ويقف على قمة ذلك اختيار الشخص المناسب للقيادة، إنه أول خطوط مواجهة الفكر المتطرف، الأمر يجب إحاطته برؤية تنشد أولا العدالة، كيف نضمن أن الشخص المناسب يتولى المسؤولية المؤهل لها فكريا وشخصيا، وفى نفس الوقت لا نتجاوز فى تطبيق القانون؟.
الحكاية ليست أبدا سيدة منتقبة أبعدت عن موقع حساس، ولكن معايير خاطئة تؤدى لاختيار خاطئ نضطر أن نواجهه بحلول أيضًا خاطئة!!.