بقلم : طارق الشناوي
هل يسيطر عليك بين الحين والآخر مقطع من أغنية، تتذكره ولا تدرى لماذا؟ أنا حاليا أردد مع محمود شكوكو (جرحونى وقفلوا الأجزاخانات/ لا قالولى إزيك ولا سلامات).
التقيت شكوكو مرتين، الأولى على متن طائرة عسكرية متجهة إلى سيناء للاحتفال باستردادها كاملة فى بداية حقبة مبارك، والثانية فى منزل ملحنه الأثير الموسيقار الكبير محمود الشريف، ويومها غنى على عود الشريف، بناء على طلبى (جرحونى وقفلوا الأجزاخانات).
كان فنانا شاملا يتمتع بحضور طاغ على المسرح وأمام الكاميرا، مغرما بالتفرد، حكى لى أنه أراد استيراد عربة حمراء اللون، ولست متأكدا من الماركة أظنها (بانتيلى) فقالوا له إن الملك فاروق لديه واحدة، وقد يغضب فاتصل به ليحصل على موافقته.
سألته عن زواجه ثم طلاقه السريع من السيدة الثرية سيدة المجتمع الراقى عائشة هانم فهمى، طليقة يوسف بك وهبى، نفى فقط أنها أرادت الانتقام من يوسف وهبى، فتزوجته لإثارة غيرته، وأكد أن ما بينهما كان حبا أفضى إلى زواج، إلا أنه لم ينكر أبدا غضب يوسف وهبى، وحتى رحيله ظل حانقا منه.
لمحمود شكوكو حكايات عديدة طريفة مثلا روى لى الموسيقار الكبير كمال الطويل أنه وعبد الحليم كانا مفلسين، فاقترح حليم أن يذهبا إلى شكوكو فى العوامة التى يقطن بها، وأسمعاه ما ظن كل منهما أنه مونولوج شعبى (ح يكسر الدنيا)، كان الغرض أن يمنحهما عربونا يكملان به باقى مصاريف الشهر، وبدأ الطويل يعزف وعبد الحليم يغنى، ولم يتحمل شكوكو أكثر من المطلع، واعتقد- ولا يدرى الطويل لماذا- أنهما يسخران منه، فقرر الانتقام منهما بقبضته القوية، لأنه كان فى الأصل نجارا، وعندما لمح الطويل وحليم الشر فى عينيه سارعا بالفرار، قبل أن يلقى بهما فى النيل.
كان شكوكو هدفا لكبار الملحنين وهكذا غنى من تلحين محمد عبد الوهاب (يا جارحة القلب بقزازة/ لماذا الظلم ده لماذا)، أطلقوا عليه شارلى شابلن العرب، صارت ملامحه أيقونة للمصريين، يطيلون النظر إليه كلما أرادوا أن يتفاءلوا بالحياة، ملك المونولوج، استعاد مسرح العرائس والأراجوز من أجداده الفراعنة، فكانت تلك هى أنجح فقرة ينتظرها الناس على المسرح.
المعجبون به صنعوا له تماثيل بزيه التقليدى، الجلباب والزعبوط والعصا، لم يكن ثمن الحصول على التمثال عملة نقدية، ولكن ما يطلق عليه فى علم الاقتصاد مقايضة، الناس تشترى التمثال مقابل زجاجة مياه غازية فارغة، وعرف الشارع المصرى فى الأربعينيات، نداءً صار لصيقا به (شكوكو بقزازة)، المفروض فى الأحوال العادية أن تعاد الزجاجات إلى شركة المياه الغازية لتعقيمها وتعبئتها مجددا، رجال المقاومة من الفدائيين أثناء مناهضة الاستعمار البريطانى كانوا يلجأون إلى هذه الحيلة ويستحوذون على الزجاجات قبل أن تصل للشركة، ويضعون (المولوتوف)، كانت ضربات موجعة للعدو، ولم يدر شكوكو أنه بتمثاله صار رمزا للبطولة وملهما للفدائيين، وعندما تناهى إلى سمعه تلك الخطة ازداد تشبثا بموقفه، فلم يتراجع أو يتبرأ من هذا الفعل الذى كان من الممكن ان يؤدى به إلى القتل رميا بالرصاص، (جرحونى وقفلوا الأجزاخانات/ لا قالولى إزيك ولا سلامات/ جرحونى) وتلك هى حقا المشكلة!!.