بقلم : طارق الشناوي
تعودنا أن نتكلم عن زمن الفن الجميل، باعتباره حقيقة موثقة لا تحتمل التشكيك، وكأننا نتابع كائنات ملائكية، حياتهم حب فى حب وميثاقهم عطاء فى عطاء، لم يضبطهم أحد متلبسين بالغضب، رغم أنه من المنطقى أنهم كانوا يتناحرون وعلى أبسط الأشياء، فهى تبدو لهم بمثابة حياة أو موت. لاتزال تسكن بداخلى تفصيلة لم أنسها عن فيلم (المصير)، أطلق عليها قصة (ترلم)، كنت أسجل مذكرات حياة الموسيقار الكبير كمال الطويل، الذى اتصل بى قبل الموعد المتفق عليه لتبكير موعد اللقاء، وقال إنه سيقيم دعوى قضائية ضد يوسف شاهين، وسوف يطالب المسؤولين عن مهرجان (كان) بمنع عرض الفيلم، الذى كان قد تم اختياره رسميًا للمشاركة فى التسابق عام 1997، ضبط الطويل يوسف شاهين متلبسًا بالاعتداء على حقه الأدبى، وحذف بدون علمه (موتيفة) موسيقية من اللحن، وطلب منى عنوان المهرجان لإرسال خطاب رسمى، مرفق به ملابسات ما أطلق عليه الطويل جريمة نكراء، سر غضب الطويل أغنية محمد منير (علِّى صوتك بالغنا)، لحن الطويل الكلمات التى كتبتها كوثر مصطفى، فى هذا المقطع هكذا (ترقص- ترلم- أرقص).
أراد يوسف شاهين أن يلغى أثناء التسجيل النهائى للأغنية، موتيفة (ترلم) ويستبدلها بلحظة صمت، وجدها أحلى، وبدأ التراشق بين العملاقين، الطويل رأسه وألف سيف ح ارجع (ترلم) يعنى ح ارجع (ترلم)، بينما يوسف شاهين رأسه وألف سيف (بعينك) مش ح ترجع، يرد الطويل ح ارفع دعوى وأحبسك، فيقول له يوسف شاهين فى المشمش مفيش (ترلم) يعنى مفيش (ترلم).
وتناسيًا فى ذروة الغضب ما بينهما من نجاحات متعددة مثل فيلم (عودة الابن الضال)، الذى شهد بداية انطلاق ماجدة الرومى، بعد تدخل الأصدقاء المشتركين، استمع الطويل فى لحظة هادئة للحن بعد حذف (ترلم)، فوجدها أحلى، وتنازل عن الدعوى القضائية، وتراجع عن إرسال خطاب الاحتجاج لمهرجان (كان)، وحصل يوسف شاهين فى تلك الدورة التى كانت تحمل رقم 50 (اليوبيل الذهبى) على جائزة (كان) التذكارية.
تأملوا الدقة فى التنفيذ، (موتيفة) لن تستغرق ثوانى، ولن تفرق كثيرا عند الجمهور، يحدث حولها كل هذا الجدل، جمال الإبداع يكمن فى اختيار التفاصيل. روى لى الطويل أنه بعد أن لحن أغنية (يا واد يا تقيل) فى فيلم (خلى بالك من زوزو)، وحضر عشرات من البروفات مع سعاد حسنى والفرقة الموسيقية، ترك لأحد كبار موزعى الموسيقى مهمة الإشراف على التسجيل النهائى، وذهب هو لقضاء إجازته الصيفية بالإسكندرية، قالت له السيدة زوجته، عندما وجدته متوجسًا، لماذا لا تعود للقاهرة تشرف بنفسك على التنفيذ، وبالفعل لم يرتح للتسجيل، وأعاد التوزيع مجددًا لتحقق الأغنية ولاتزال أعلى كثافة فى المتابعة، ليس زمن الفن الجميل كما تعودنا أن نُطلق عليه، ولكنه زمن التفاصيل، وتفاصيل التفاصيل، حتى لو كانت مجرد (ترلم)!!