بقلم : طارق الشناوي
بعد مرور قرابة نصف قرن على انطلاق مسرحية (مدرسة المشاغبين) ألا تستحق رد الاعتبار؟ تعرضت (المشاغبين) لسيل منهمر من الضربات التى لاحقتها- ولا تزال- بتهمة إفساد التعليم، وكأننا لو قدمنا فى نفس التوقيت 24 أكتوبر 73 مسرحية (مدرسة المؤدبين) كان حال التعليم المصرى قد تخطى (أوكسفورد) و(السربون).
المسرحية بدأت بروفاتها ومصر تعيش تحت وطأة الهزيمة، فكان الضحك هو خط الدفاع الأول. راهن المنتج سمير خفاجة على سعيد صالح وعادل إمام، كان اسم وأجر سعيد- كما قال لى صلاح السعدنى- يسبق عادل إمام، الرهان عليه كان أكبر، فلقد سبق له أن لعب بطولة مسرحية (هالو شلبى) فحققت نجاحا ضخما، حدث فى اللحظات الأخيرة تبديل فى الأدوار، انتقل سعيد بناء على طلب عادل لأداء دور مرسى الزناتى، ليقتنص عادل بذكاء دور بهجت الأباصيرى (الزعيم)، ويتحول مع الزمن إلى لقب، تكتشف عند تقديم المسرحية على شريط (فيديو) مع مطلع الثمانينات القفزة الجماهيرية التى حققها عادل، صار اسمه يسبق الجميع وصورته تتصدر (الأفيش)، دور أحمد زكى (أحمد الشاعر) كانت مساحته أكبر، رشح له فى البداية صلاح السعدنى ولكنه اعتذر، لارتباطه ببطولة عرض مسرحى تابع للدولة، ورشح هو وسعيد صالح، أحمد زكى للدور. ولم يخل الأمر من صراعات، روى لى أحمد أنه شاهد يونس شلبى (ابن الناظر) صاعدا على سلم ممسكا بفرشاة وجردل على باب المسرح ليكتب اسمه سابقا أحمد، عبد الحليم حافظ يشاهد العرض ويذهب فى الكواليس لتهنئة الأبطال، وينسى أحمد زكى، فيذهب حليم اليوم الثانى ليصالحه.
المسرحية اقتبس فكرتها على سالم من الفيلم البريطانى (إلى المعلم مع الحب)، ولم يحدث فى بريطانيا بعدها سوى ازدهار للتعليم، بينما نحن وبقدر لا ينكر من الكسل توارثنا عن الآباء والجدود تقديم نفس المقطع، الذى يؤكد أن التعليم انهار بسبب مدرسة عادل وسعيد، وتغيرت بعدها الدنيا من قصيدة شوقى (قف للمعلم وفه التبجيلا)، إلى قصيدة ستامونى ( قطعنى حتت/ وإرمينى للقطط).
الواقع الذى نعيشه الآن يؤكد أننا نعيش زمن (الأساتذة المتحرشين)، هكذا نتابع الأخبار عن أستاذة تتهم طالبا بالتحرش، ويشهد زملاؤه أنه مثال للأخلاق الحميدة، وأستاذ فى المرحلة الإعدادية يتحرش بطالبة، وناظر يحبس تلميذة يوما كاملا فى الفصل، ومدرسة تطلب من التلاميذ تلميع حذائها، وغيرها، لو تصورنا أن عملا فنيا اقترب من تخوم انحراف الأساتذة لقامت الدنيا وطالبوا بمحاكمة صُناعه، هل تقديم الانحراف يؤدى إلى التعايش السلمى معه؟ أم أن أول أسلحة مواجهة المشكلة تبدأ مع الاعتراف بوجود مشكلة؟!.
(المشاغبين) مثل أشياء عديدة فى حياتنا، دورها الوحيد هو أن (تشيل الليلة) تتحمل أمام الرأى العام مسؤولية هزيمة التعليم فى بلادنا.
المسرحية رسمت معالم الفن المصرى مسرحيا وسينمائيا وإذاعيا وتليفزيونيا، صار لدينا خط فاصل بين الخريطة الفنية قبل وبعد (المشاغبين)، ومن خرجوا منها مثخنون بجراح الهزيمة مثل أحمد زكى، إلا أنها شكلت نقطة فارقة فى مشواره، يكفى أنه صار بعدها فى الضمير الجمعى المصرى المعبر الأول عن المهمشين والمعذبين فى الأرض.
بينما لا نزال نردد بضمير مستريح أنها المتهم رقم واحد فى إفساد منظومة التعليم، على اعتبار أننا نمتلك أساسا (منظومة)!!.