بقلم : طارق الشناوي
نعم عليك أنت أن تحدد بالضبط ماذا تريد، سهل جدا، كل الطرق أمامك، وكل الدروب سوف تعرض خطواتها عليك، وكل الأبواب ستجدها أيضا مشرعة، أو فى الحد الأدنى مواربة، العرض قد يبدو أيضا بزاوية ما محدد المدة، حتى يستفزك بسرعة اتخاذ القرار، لأن العروض المفتوحة بلا سقف بطبعها منفرة.
كل باب يعدك بشىء يعتقد أنك تنتظره، وهو فقط يشير إليك، لن أشرح لكم كل التفاصيل، ولماذا اخترت مثلا أن العودة للكتابة، رغم أن أول قرار سريع خاطئ اتخذته هو أن أتوقف، الأمر له علاقة حميمة بتكوينى منذ الطفولة؟.
أحب المشى، أحفظ دروسى الابتدائية خاصة الشعر، فى الطريق من وإلى المنزل (أختر أولا الرفيق قبل الطريق)، رغم أن الحكمة تفرض العكس تماما، حكمة مؤكد معتبرة ومنطقية، إلا أننى فى رحلتى كإنسان وصحفى أبدأ بالبحث عن المكان، كم يبعد عن منزلى سيرا على الأقدام، وبعدها أقرر اختيار نوع الرفيق، حتى اختيارى للتدريب فى مجلة (روز اليوسف) نهاية السبعينيات، برغم أنها المدرسة الصحفية المشاغبة الأولى منذ التاريخ المصرى، نتحدث عن عام 1925، واليوبيل المئوى للدار العريضة يقترب، بيد أن المؤكد أن الجغرافيا وليس التاريخ كان له الهدف الأهم، ضمان سرعة الانطلاق من البيت، والعودة أيضا السريعة هما إحدى أيضا النقاط الحاسمة جدا لاختيار الطريق.
ولهذا حتى ذهابى لمستشفى العزل، المطل على نيل الجيزة جامعة القاهرة، له علاقة بالرغبة فى السير بالأقدام؟ لم يكن طبعا هناك اختيارات أخرى، هو اختيار وإجبار معا وجد بداخلى ترحابا.
بعد مرحلة رفض لا شعورى، وهو إحساس منطقى وإنسانى، فلا تسرف أبدا فى أنك لم تكن مرنا فى تقبل الأمر للوهلة الأولى.
مستشفى العزل الفرنساوى لجامعة القاهرة على نيل المنيل، المفروض أننى سبق أن قطعت هذا الطريق مئات المرات (رايح جاى)، وربما آلاف، فهذه هى تقريبا الرياضة الوحيدة التى أمارسها بنهم فى الحياة.
جاء الموقف الحاسم، سألت نفسى، هل سأفعلها أم لا؟.
نعم لا تشغل بالك فى تفاصيل أخرى، سوى أنك ستنهض، وهى قطعا وعكة ثقيلة الوطأة ولكن عليك أن تتماسك، ولا تنسى الضغط النفسى القاسى على العالم كله، فما بالك بأسرتك الصغيرة وأحباب وأصدقاء وحتى مجرد زملاء عابرين، أو كنت أعتقد فقط أنهم عابرون، أحيانا تكتشف فى لحظة فارقة أن حتى ما كنت أتصوره مجرد حياد، فى نظرة العين، يحمل حبا مختلفا، وكان فقط ينتظر الفرصة للتعبير، أو ربما بسبب أننى أيضا أنتمى لهؤلاء الذين يجدون أنفسهم يعيشون تحت وطأة الخجل، قد يسىء البعض التفسير، ليس قطعا ذنبهم، أنا مؤكد أيضا لم أبذل بما فيه الكفاية لهم بما يستحقون وبما هو مفروض علىَّ.
الأهم والأعمق أن الله يمنحنا جميعا اليد الحانية، وهى تحمى كل البشر وتغفر للجميع من كل الألوان والأديان والعقائد والأعراق، ولا تسأل، هل قدمت السبت لتستحق الأحد، حكاية السبت والأحد تحليل بشرى، قانون يتفق فقط مع إدراكنا القاصر المحدود للدنيا، الإحساس الذى يسيطر عليك هو بالضبط ما سوف يتحقق أمامك، وأنا أصحو لأحلم، وأحلم لأصحو، اخترت أن أعيش أجمل أحلامى وسأعود كما أطل الآن على الطريق، سيرا ع الأقدام.