بقلم : طارق الشناوي
الأبطال فى العيون والقلوب مهما مرت السنوات، وهكذا مضى نحو 60 عاما على العملية الفدائية التى قام بها سمير الإسكندرانى بالتنسيق مع جهاز المخابرات وكللت بالنجاح وضبط وقتها أكبر خلية سرية من الجواسيس داخل مصر، سايرهم سمير فى البداية باعتباره واحدا منهم، وكان يتقاضى أموالا من الموساد الإسرائيلى مقابل ما يتصورون أنها أخبار سرية ضد مصر، وهكذا بعد ساعات قلائل على رحيل الفنان الكبير جاء بيان المخابرات ليتوج مسيرة هذا البطل.
ولم تكن المرة الأولى، قبل نحو خمس سنوات وجهت المخابرات العامة تحية تقدير وعرفان للفنان الكبير محمود عبد العزيز، وحرصت على إصدار بيان مكتوب ومسموع لتتويج مسيرة نجمنا الكبير الذى برع فى تقديم ملحمة البطل (رأفت الهجان) التى تناولت مسيرة (رفعت الجمال) بقلم صالح مرسى وإخراج يحيى العلمى، على مدى ثلاثة أجزاء منذ نهاية الثمانينيات، وكانت تلك هى المرة الأولى التى يقرأ فيها الناس اسم هذا الجهاز السيادى المحاط بقدر كبير من السرية متصدرا المشهد معلنا للدنيا أن محمود عبدالعزيز كان بطلا فى الضمير الجمعى المصرى عندما لعب دور البطل الذى هزم المخابرات الإسرائيلية فى عقر دارهم، وعاش سنوات داخل إسرائيل قادرا على خداعهم، تم تكريم صورة البطل لأنه أعاد لنا على الشاشة الصغيرة حياة البطل.
هذه المرة مع الإسكندرانى نكرم مباشرة البطل، فى نهاية الخمسينيات أفصحت مباشرة الدولة عن العملية بكل تفاصيلها وكيف أن سمير الإسكندرانى الشاب المصرى حاولوا تجنيده عندما كان فى بعثة داخل إيطاليا، سايرهم حتى يتمكن من فضحهم واكتشاف كل أفراد الشبكة الذين كانوا يعملون لصالحهم داخل مصر.
كان الإسكندرانى فى مرحلة المراهقة مولعا بقراءة القصص البوليسية وخاصة ما كتبته أجاثا كريستى، وأراد أن يعيش تجربة واقعية وكان مهيأ لأداء هذا الدور الوطنى، ظل سمير ممتنعا عن حكى التفاصيل، طوال زمن عبدالناصر والسادات ومبارك التزم الصمت، فقط كان يتم نشر عناوين بلا أى تفاصيل، من الواضح أن هذا هو قرار المخابرات المصرية، لأن هناك أسرارا ينبغى أن تظل أسرارا.
أحيانا كان يتعرض لعدد من الضربات تحت الحزام تنفى عنه بطولته، وتؤكد أنه فى البداية استسلم للغواية الإسرائيلية ثم استيقظ ضميره بعد أن كانت ترصد تحركاته فى إيطاليا الأجهزة المصرية، منذ بداية محاولة تجنيده ليصبح عينا لإسرائيل على مصر، ولم تكن تلك أبدا هى الحقيقة، كلها محض افتراء وتضليل، الخيانة لا تتحول إلى بطولة، ولا يمكن أن يتم تكريم من يبيع ضميره، والإسكندرانى كان مكرما فى بلده طوال زمن عبد الناصر ومحاطا برعاية أدبية، ولو كانت لدى البلد شبهة فى وطنيته كان من المستحيل أن يُكمل مشواره، إنه الشاب الوطنى الذى كان من الممكن لو افتضح أمرة أن يتم اغتياله، بل إنه ظل مطلوبا منذ نهاية الخمسينيات، حيث اعتبره (الموساد) من أكبر أعدائه.
هل حان الوقت لكى يرى الناس على الشاشة ملحمة هذا البطل؟، الدائرة القريبة له تقول إنه كتب مذكراته وأشار للعديد من التفاصيل، كما أن جهاز المخابرات لديه أوراق موثقة عن تلك العملية، أبطال مصر من واجبنا أن نخلدهم على الشاشات!!.