بقلم : طارق الشناوي
الكتابة للصحافة بطبعها تفترض التوافق الزمنى، القارئ يتابع بنهم الكاتب كلما كان على الموجة، ومع مرور الزمن عندما يستعيد الصحفى بعض ما كتبه، سيكتشف غالبا أن القسط الأكبر غير قابل لإعادة النشر. هذا هو رأيى فى المقال الأزمة (البت فتحية) الذى أعادته الفنانة إسعاد يونس على صفحتها، المقال فى توقيت النشر كان يسخر من الإخوان، والجريدة (المصرى اليوم) بشرت وأيدت بكل قوة ثورة الشعب فى 30 يونيو، إسعاد كتبت لمحة شبهت فيها الإخوان بخادمة مقززة، وأفاضت فى شرح التفاصيل، وكانت على ما أتذكر تنشر بالصفحة الأخيرة، أى أن القارئ تابع كل الكتابات التى سبقتها، فاستوعب الفكرة، ووصله التماثل الذى ارتكنت إليه، فهى لم تقصد أبدا السخرية من الفلاحة الغلبانة، بل كانت ترسم ملامح إخوان مقززين وكاذبين.
القارئ فى 2013 لم يجد مشكلة لأنه كان معبأ بالحدث العام، بينما هذه المرة، هناك من قرأ وغضب، ويجب أن نقر بأحقيته فى الغضب، وهناك أيضا من وجدها وبسوء نية فرصة للطعن فى إسعاد، فبدأ فى توجيه ضربات تحت الحزام.
توجد مقالات نادرة عابرة للزمن وأخرى- وهى الأغلبية- يقيدها الزمن، مؤكد فى القراءة الأولى للمقال وبسبب حالة الثورة التى عاشها المصريون لم ينزعج الأغلبية من تلك الصفات التى أسقطتها على الخادمة، بينما عند إعادة النشر، أحدث شرخا، إلا أن السؤال: هل تغيرت طبيعة المصريين وصار العنف والرغبة فى الانتقام هى المسيطرة على مشاعرنا؟، ما هى العلاقة بين المقال وبرنامج إسعاد (صاحبة السعادة) الذى يحظى بجماهيرية واسعة على (دى إم سى)؟، من حقك طبعا أن تعجب به أو ترفضه، أن تحب أسلوب مقدمة البرنامج أو ترفضه، لكن ما هى الحكمة فى هذا التوقيت للدعوة لمقاطعة برنامج، أو مطالبة الجهة المسؤولة بمصادرته أو إيقاف الإعلانات عنه؟!.
فى فيلم (ذهب مع الريح) اضطرت منصة (إتش بى أو ماكس) أن تحجبه بعد عرضه بأيام، لأنه يحمل نظرة دونية للسود، ثم عرضته بعد كتابة توضيح للمرحلة الزمنية التى تم فيها إنتاج الفيلم، وهو واحد من أهم الأفلام فى العالم، وحاصل على الأوسكار فى نهاية الثلاثينيات، عند عرضه الأول لم يثر أى مشاعر غضب فى المجتمع الأمريكى ولا العالم، وظل كذلك طوال العقود الزمنية الماضية، وعند إعادة العرض الشهر الماضى بدأت الأزمة، من سوء حظه تواكب مع مقتل الأمريكى من أصول إفريقية جورج فلويد، أسلوب التلقى يختلف حتى مع الأفلام التى تصنع لكل الأزمنة، فما بالكم بمقال مكتوب أساسا ليقرأ فجر 30 يونيو 2013، ورغم ذلك لم يتهم أحد صُناع الفيلم الأمريكى بالتنمر، اقتصر احتجاجهم على المنصة التى أعادت العرض، بينما وجهوا لإسعاد كل السهام والطعنات القاتلة. ويبقى السؤال الأهم: لماذا أصبح التنمر عند البعض منا أسلوب حياة؟ لا يمكن أن نتهم أحدا بالتنمر بينما نحن نمارس بكل عنف فعل التنمر!!.