بقلم : طارق الشناوي
تلقيت قبل أقل من ثلاثة أشهر وأنا فى طريق عودتى من مهرجان الإسكندرية السينمائى مكالمة من الفنان الكبير عزت العلايلى، شكرنى على كلمة كتبتها عنه فى تلك المساحة، بمناسبة إهداء دورة المهرجان إليه، شعرت وكأن صوته تملؤه الدموع ولم أدر لماذا؟، فما كتبته عنه هو أقل ما يستحقه هذا الفنان الكبير، وعندما علمت أمس بخبر الرحيل أيقنت سر الدموع، العلايلى كان مدركا أنها من الكلمات الأخيرة التى سيقرؤها فى هذه الدنيا عن عزت العلايلى.
ظل العلايلى معتزا باسمه ومكانته لم يشك من أى إقصاء أو ابتعاد، كان يدرك جيدا أنه مهما امتدت به السنوات ستظل له مساحته التى لا ينافسه فيها أحد، فهو وعلى رأى شاعرنا الكبير كامل الشناوى (أنا لا أشكو/ ففى الشكوى انحناء/ وأنا نبض عروقى كبرياء).
قلت فى تحليل إبداعه إن النجوم نوعان الأول يسبقه ضوء ساطع يؤدى إلى (الزغللة) وهؤلاء هم الأغلبية، وتبقى الأقلية المنتقاة، أصحاب الضوء الكاشف، ويقف فى الصف الأول بين هؤلاء عزت العلايلى، ضوء ينير أولا مسام العقل والقلب.
ولد فى 15 سبتمبر عام 1934، فى أحد أحياء القاهرة الشعبية الشهيرة (باب الشعرية)، وساهمت تلك النشأة فى أن يتمكن ببساطة ونعومة فى تقمص أدوار ابن البلد، ذاكرته الإبداعية اختزنت الكثير من الأنماط التى التقاها، شارك بدور صغير قبل أن يبلغ العشرين فى فيلم «يسقط الاستعمار» بطولة وإخراج حسين صدقى، ثم التحق عام 1955 بمعهد المسرح، تخرج عام 1959، وكان يشارك أثناء الدراسة بالمعهد بأدوار صغيرة، فى مسرحيات أخرجها أساتذته، وواكب انتهاء دراسته إنشاء التليفزيون المصرى عام 1960 فالتحق بالعمل كمدير للاستديو ومخرج، فاكتسب ثقافة عريضة فى التعامل مع هذا المجال الذى كان لا يزال وليدا، وكان له أيضا مشوار فى الكتابة للمسرح مثل مسرحية «ثورة قرية» أول إخراج لحسين كمال.
على خريطته تجد أهم مخرجى السينما المصرية وقد أجمعوا على موهبته، وبرغم التباين الفكرى بين صلاح أبوسيف ويوسف شاهين تكتشف أن أهم أفلام أبوسيف يسند له البطولة مثل (السقا مات) و(المواطن مصرى) ومع يوسف شاهين (الاختيار) و(الأرض) و(إسكندرية ليه).
تستطيع أن تلمح فى أداء العلايلى إخلاصا لمنهج ستانسلافسكى القائم على فكرة الصدق فى التعبير عن الشخصية، التى تعنى التقمص والاندماج الكامل فى كل التفاصيل، حتى إنه مثلا كما قال عنه صلاح أبوسيف عندما أسند له دور السقا فى (السقا مات) بدأ بدون توجيه من المخرج يتدرب على حمل القربة وكيفية التعامل معها، وفى فيلم (أهل القمة) إخراج على بدرخان مثلا كان يحرص على دراسة سلوك الضباط، ليلتقط تلك التفاصيل، وهو من أكثر النجوم المصريين تواجدا على الساحة العربية، لعب بطولة الفيلم الجزائرى «طاحونة السيد فايبر» للمخرج أحمد راشدى، ولعب بطولة الفيلم العراقى «القادسية» للمخرج صلاح أبوسيف، وبطولة الفيلم المغربى «سأكتب اسمك على الرمال» للمخرج عبدالله المصباحى والفيلم اللبنانى «بيروت يا بيروت» للمخرج مارون بغدادى، وكان بينه وبين المخرج الجزائرى أحمد رشدى مشروع قادم لبطولة فيلم (لا) عن قصة مصطفى أمين.
حصد عددا من الجوائز والتكريمات، مثل مهرجان (دبى السينمائى الدولى) بمناسبة مرور 10 سنوات على انطلاقه 2003 كواحد من أهم النجوم الذين شاركوا فى أفضل 100 فيلم عربى مع كل من فريد شوقى ونور الشريف وأحمد زكى.
تميز العلايلى فى الأدوار الصعيدية والأعمال التليفزيونية الشهيرة مثل «زمن الحب الضائع» و«الجماعة» الجزء الأول، والذى حصل من أدائه على «جائزة التميز» فى العام 2010.
عاش العلايلى دائما محاطًا بحب الجماهير قريبًا منهم، يبدو فى حياته العامة أنه نجم قابل للمس، ابن البلد الذى يعبر فى كل مواقفه عن أحلام ومشاعر أبناء البلد، وهكذا ودعه بكل حب وتقدير أبناء البلد، فنانا مثقفا معتزا بكرامته (نبض عروقه كبرياء).