بقلم : طارق الشناوي
هل كان عبد الوهاب يقول الحقيقة، عندما ذكر أنه استمع فى الإذاعة إلى أغنية (يا تبر سايل بين شطين يا حلو يا أسمر) بصوت عبد الحليم وتلحين محمد الموجى عبر أثير الراديو، وعلى الفور اتصل بالإذاعى حافظ عبد الوهاب، الذى كان مسؤولا عن قسم الموسيقى والغناء، وطلب منه أن يأتى إليه بهذا المطرب الرائع، والذى كان لا يزال اسمه عبد الحليم شبانة، صار بعد ذلك يحمل اسم حافظ، جاءت هذه الواقعة ضمن صفحات كتاب (دندنة) لأستاذتنا وتاج راسنا سناء البيسى، فى حوارها مع الموسيقار محمد عبد الوهاب، وأعادها أمس أستاذنا صلاح منتصر على صفحات (المصرى اليوم)؟.
هناك تسجيل على (اليوتيوب) يقول شيئا آخر، بعد رحيل عبد الحليم التقى سمير صبرى بعدد من الشخصيات الفاعلة، والتى رسمت ملامح عبد الحليم فى البدايات، وعلى رأسهم حافظ عبد الوهاب، الذى قال له إن لجنة الاستماع كانت منقسمة، أم كلثوم تقف على قمة فريق المؤيدين وتريد الموافقة على الصوت الجديد، ترى فيه جمالا وخصوصية، بينما عبد الوهاب على الجانب الآخر، يرفض التصريح ويؤكد أنه ينقصه الكثير ولا يزال أمامه الكثير.
وكان تفسير حافظ عبد الوهاب أنه استشعر أن لدى الموسيقار الكبير هدفا وراء عرقلة المطرب الجديد، وبعد إلحاح منه، ولأنه مقرر لجنة الاستماع بحكم وظيفته، فإنه فى الجلسة التالية وافق عبد الوهاب على الصوت، وكانت قصيدة (بعد عامينا التقينا ها هنا) شعر صلاح عبد الصبور وتلحين كمال الطويل، هى جواز المرور وليس (يا تبر سايل)، طلب عبد الوهاب من حافظ أن يخبر عبد الحليم بالاتصال به، عبد الوهاب لديه شركة إنتاج وقدم من خلالها أكثر من مطرب محمد عبد المطلب وجلال حرب ومحمد أمين وسعد عبد الوهاب ابن شقيقه وغيرهم، من الواضح أن مشروع الفيلم الغنائى كان وقتها يدر أرباحا عليه هو وشريكه مدير التصوير الكبير وحيد فريد.
قرر عبد الوهاب استثمار عبد الحليم فى شركته، وبالفعل تعاقد معه على بطولة فيلم وبدأت بذرة مشروع (لحن الوفاء)، ولم يتحمس عبد الوهاب، بينما المخرج إبراهيم عمارة كان يرى أن عبد الحليم حافظ سيصبح ورقة رابحة، وتصادف أن أغنية (على قد الشوق) تلحين كمال الطويل حققت نجاحا طاغيا فكانت أحد الأسباب التى دفعت عمارة لإنتاج الفيلم، ووجد للأغنية مساحة درامية فى الشريط السينمائى، وعندما ارتفعت أسهم عبد الحليم قرر عبد الوهاب أن ينتج له (أيام وليالى) ليلحق بنفس العام 1955.
عبد الوهاب لديه دائما أكثر من عامل يدفعه للإدلاء برأيه، الحقيقة طبعا وأيضا إلى أى مدى سيصب هذا الرأى لصالحه؟، أميل أكثر لتصديق رواية حافظ عبد الوهاب لأنه سجلها وعبد الوهاب على قيد الحياة، ولو كانت هناك شكوك ما حولها، كان لعبد الوهاب القدرة على التكذيب، خاصة أن سمير صبرى كان سيعتبر ذلك سبقا تليفزيونيا، ليس الأمر قاصرا على عبد الوهاب فقط، الكثير مما نقرأه ونسمعه ونشاهده ممن نصفهم بشهود عيان تختلط فيه الحقيقة بأشياء أخرى!!.