بقلم : طارق الشناوي
سألوا الموسيقار محمد عبدالوهاب عن أهمية الكلمة، وهو الذى ردد أشعار الكبار، أمثال أحمد شوقى وعلى محمود طه وكامل الشناوى ونزار قبانى وغيرهم، أجاب: الكلمة خالدة فى ديوان الشعر، ولكن إذا كان الحديث عن الأغنية، فإن الذى يمنحها الحياة النغمة أولًا.
عمرو دياب قدم قبل ثلاثة أيام ألبوم (سهران)، ليحتل فى لحظات محليًا وعالميًا المقدمة فى كثافة التداول، عمرو يختار الكلمة والنغمة، أم أن الكلمة والنغمة يختاران عمرو؟، إنه صوت ملهم للشاعر والملحن، هو لا يقدم الكلمة الأعمق ولا النغمة الأحلى، ينتقى من الأبجدية 28 حرفًا ما يشبهه، ومن درجات السلم الموسيقى السبع ما يتوهج بها صوته، الكلمة والنغمة يرتديان ثوب العصر، مثلًا أغنية (سهران): «سهران فى مكان، دخلت واحدة جامدة، علقت قلبى، يا أرض اتهدى ما عليكى قدى»، أو فى أغنية (عم الطبيب): «ما تروحش يابنى لطبيب يطبك، إنت محتاج حبيب يحبك»، ويتكرر الموقف مع (عم العطار) يسأله عن تحبيشة، ثم شيخ البلد، تجد فى كلماته وألحانه البسيطة روح ما يكتبه أولاد البلد على (التوك توك)، فهى تحمل نبض اللحظة، وإذا كان مطربو المهرجانات يقدمون تلك الكلمات والنغمات (بعبلها) وترابها، فإن عمرو يعمل على تهذيبها، يضعها فى إطار براق جاذب عصرى ويزيح عنها الشوائب.
الألبوم روح واحدة، 12 أغنية قصيرة لا تدّعى ولا تسعى لتحقيق شىء أكثر من النشوة والمتعة، وهو هدف لو تعلمون عظيم، وهذا هو سر عمرو، أنه لا يدّعى شيئًا آخر أبعد أو أعمق، المطرب الذى يتجاوز عمره الفنى فى البقاء على القمة ثلاثة عقود، ويقترب من الستين من عمره، ويظل هو (ألفة) الجيل ليس صدفة، يدفع ثمن الحفاظ على تلك المكانة الاستثنائية، أجهزة استقباله فى حالة يقظة دائمة، لا أتصوره إلا وتابع الأغنيات الناجحة على الساحتين العربية والعالمية، لا يتعالى على الذوق السائد، يدرسه بكل جوانبه، ثم يضيف إليه لمسته الخاصة.
ولا أتصوره سوى وهو يتابع مطربى المهرجانات، ليعرف لماذا كل هذا الحضور فى الحارة وفنادق السبع نجوم؟ بينما النقابة وشيخ حارتهم هانى شاكر فى حالة تخبط، مرة يقولون لا مغلظة للمهرجانات، وأخرى يواربون الباب، وثالثة يمنعون ويمنحون ع الكيف والمزاج. بعض كبار المطربين الذين صاروا خارج الزمن وضاعوا فى المجرة، يعتقدون أنهم لو صادروا المهرجانات من الدنيا، سوف تعود الجماهير التى لفظتهم مرة أخرى إليهم، لم يدركوا أنهم لم يتجددوا، فانتهى عمرهم الافتراضى، ولم يستفيدوا من دروس الكبار، مثل أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم، لم يقدم الكبار الأغنية السائدة، ولكنهم تابعوا توجهات الناس، وهكذا اختارت مثلًا أم كلثوم كلًا من الشاعر عبدالوهاب محمد والملحن بليغ حمدى، وهما دون الثلاثين، وكانت قد تجاوزت الستين، لتغنى (حب إيه)، وهى أشبه بالمونولوج الساخر، يلمح عبدالحليم أغنية (على حسب وداد جلبى) يعدها بليغ للمطربة إلهام بديع، التى اشتهرت باللون الشعبى الفلاحى، يستحوذ عليها وتحقق نجاحًا طاغيًا، الفنان يأخذ من ذوق الناس ما يُشبهه، لا يفلّ الحديد إلا الحديد، ولا التريند إلا التريند!!.