بقلم : طارق الشناوي
حجم الترقب كبير جداً لهذا المهرجان السينمائي الذي يحمل اسم «البحر الأحمر»، الذي يأتي منطلقاً من مدينة جدة التاريخية بالمملكة العربية السعودية، ولم يكن الأمر مفاجأة لأحد من المتابعين لما يجري من حراك ثقافي وفني متدفق بتنويعاته المختلفة في السينما والمسرح والموسيقى والفن التشكيلي بالمملكة، إنه مثل ألوان «قوس قزح» تتشكل مجتمعة بمذاق متباين، إلا أنه يجمعها في النهاية «هارمونية» تطرح زخماً وألقاً قادراً على أن يلعب دوره في إنعاش الروح وسمو الوجدان.
المهرجان تدعمه وزارة الثقافة السعودية من خلال الوزير الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان رئيس مجلس أمناء مؤسسة تحمل اسم المهرجان، والمخرج والكاتب والمنتج محمود الصباغ الرئيس التنفيذي للمؤسسة، والمدير الفني للمهرجان.
المهرجانات الكبرى تتوجه أساساً لدعم السينما في البلد المضيف، وهكذا نجد دائماً في «كان»، و«برلين»، و«فينيسيا» وغيرها إطلالة آنية وتاريخية على السينما المحلية، كما أن المهرجان كما أعلن في أول بيان له، بتوجهه السعودي، لن يغفل البُعد الخليجي والعربي والعالمي، بالطبع لا تزال هناك تفاصيل كثيرة متعلقة بتوقيت بدء الفعاليات، فهو يتطلع ليكون دولياً وعلى هذا يُصبح اختيار التوقيت أحد أهم القرارات التي ينبغي التأني في اتخاذها، لأنها ترتبط بأكثر من مؤثر؛ منها الأجندة الدولية للمهرجانات الكبرى، مع مراعاة التأكيد على خصوصية المهرجان في كل تفاصيله.
بدأ من الآن محمود الصباغ في وضع الخطوط العريضة لهذا الحدث الضخم، والصباغ واحد من الشباب الموهوبين بالمملكة، ومفعم بعشق السينما، شاهدت أول أفلامه الروائية الطويلة في مهرجان «برلين» وذلك قبل ثلاث سنوات «بركة يقابل بركة»، والاسم يصلح للمرأة والرجل، وهما بطلا الفيلم، وكانت تلك أول مشاركة للمملكة في «برلين»، كتبت يومها أنه الشريط السينمائي الأجرأ خليجياً، ولم أكن أعني بالجرأة هنا مجرد المشاغبة مع «التابوهات» الممنوعات، ولكن توقفت أمام الجرأة الإبداعية الجمالية، وخفة الظل وروح الحداثة في السرد السينمائي، كما أنه لأول مرة يكسر النمط السائد في السينما العربية وخاصة المصرية، التي عادة ما تقدم صورة واحدة للشخصية الخليجية المرفهة، شاهدنا على العكس البطل الرئيسي أنه شاب سعودي يجاهد في الحياة.
تابعت المخرج بعد ذلك في العام الماضي بفيلمه الروائي الثاني وهو يواصل المشاغبة الفنية «عمرة والزواج الثاني»، الذي عرض في أكثر من مهرجان عالمي مثل «لندن»، و«القاهرة».
شاهدت لأول مرة في شهر مايو (أيار) الماضي علم المملكة يرفرف فوق شاطئ «الريفييرا» بمدينة «كان» متصدراً جناح الفيلم السعودي، وبعدها في شهر فبراير (شباط) الماضي رأيت الجناح في مهرجان «برلين»، وعُرضتْ في هذا الإطار أفلام قصيرة روائية وتسجيلية، ليتعرف العالم على تلك المواهب السعودية الشابة، التي بدأت تعبر عن نفسها في المملكة.
هناك الكثير من المهرجانات عالمياً وعربياً تطل على البحر المتوسط، وتستمد خصوصية من تلك الإطلالة، بينما تلك هي المرة الأولى التي يجمل فيها مهرجان اسم «البحر الأحمر» بكل ما يملكه من سحر أخّاذ.
المهرجانات الكبرى تحلق بجناحي الثقافة والاقتصاد وبقدر ما تفتح نوافذ ثقافية للجمهور، فإنها أيضاً تنتعش بالسوق الموازية للفعاليات، التي تجذب شركات الإنتاج لإقامة مشروعات مشتركة تضمن تدفق صناعة الأفلام. أنتظر مثل كُلّ عشاق السينما أن أرى في 2020 «قوس قزح» سينمائياً عالمياً يأتي من البحر الأحمر.