بقلم:طارق الشناوي
كل حلم يسعى الإنسان لتحقيقه مرتبط عادة بلحظة زمنية ومرحلة عمرية يعيشها، أحياناً نتعجب من أحلامنا القديمة، التي كانت مرتبطة بمعطيات محددة، يمر زمن لتتبدد، مثلاً المخرج صلاح أبو سيف كان حلمه الأثير في بواكير شبابه، أن يُصبح ممثلاً، عندما بدأ يقرأ عن الفيلم السينمائي، اكتشف أن خلف الممثل يكمن سر صناعة السينما، فقرر أن يُصبح مخرجاً، وأعاد توجيه بوصلته الإبداعية لتحقيق حلمه الجديد.
على الجانب الآخر، كان محمود مرسي، يُعد نفسه للإخراج، وسافر إلى باريس ليلتحق بمعهد «الإيديك»، وعندما عاد لمصر وجد الجميع يرشحونه كبطل في السينما، أيضاً حسين فهمي، نال دراسات عليا في الإخراج بأميركا، ولكنه وجد أبواب شركات الإنتاج مفتوحة أمامه فقط كبطل، وأصبح «الواد التقيل» في «خللي بالك من زوزو»، وتبدد نهائياً حُلم محمود مرسي وحسين فهمي في الإخراج.
قبل أيام قرأت أن رجلاً مصرياً (75 عاماً)، كان حلمه في صباه أن يصبح لاعباً مشهوراً في كرة القدم، الظروف لم تسمح، سافر مثل العديد من المصريين إلى دولة الكويت للعمل، وتزوج وصار له أبناء وأحفاد، لكن الحُلم ظل يسكنه، فقرر استبداله وتطويره بالدخول لموسوعة «غينيس للأرقام القياسية»، كأكبر لاعب كرة في العالم، وبدأ تدريبات اللياقة البدنية، والتحق رسمياً بواحدة من الفرق المعتمدة، والرهان أن ينجح الشهر المقبل في اجتياز الاختبار، بحضور مندوب للموسوعة، ويلعب مباراتين كاملتين زمن الواحدة 90 دقيقة، أمله لم يعد فقط تحقيق حلمه القديم، ولكنه أضاف تفاصيل تحيله إلى إنجاز عالمي.
الفنان الكوميدي الكبير عبد المنعم مدبولي، تخرج في الفنون التطبيقية واشتغل في مرحلة من عمره مدرساً لمادة النحت، كان حلمه أن يقيم معرضاً لعدد من لوحاته التي رسمها بالفحم، وبالفعل قبل رحيله بأشهر قليلة عام 2006. أقام أول معرض له، وقال لي يومها وهو يتلقى التهنئة من الحاضرين، هذه أسعد لحظة في عمري، وكأنني أستمع لتصفيق الجماهير على المسرح.
هناك من يحقق أحلامه حتى بعد مرور عقود من الزمن، ولا شيء يقف أمام إرادة الإنسان، شاهدنا الرئيس الأميركي الأسبق (بوش الأب) وهو في عقده التاسع ومع كل عيد ميلاد له يقفز بـ«البراشوت» من الطائرة، هل من الممكن تطبيق ذلك أيضاً في الحياة السياسية؟ دعونا نتأمل الصراع العربي الإسرائيلي، ومحوره فلسطين، في عام 1948 جاء قرار التقسيم بين فلسطين وإسرائيل، ورفض العرب، ودخلنا حرب 48 وخسرنا، في مطلع الستينيات طالب الحبيب بورقيبة الرئيس التونسي الأسبق، بالمصالحة، وعودة حقوق الشعب الفلسطيني ورفض العرب الصفقة، وجاءت بعدها بسنوات قلائل حرب 67 لنخسر جزءاً أكبر من الأرض العربية، وبعد انتصار 73 عقد الرئيس المصري الأسبق أنور السادات معاهدة «كامب ديفيد» فقاطع عدد كبير من الدول العربية مصر، ثم جرت مياه كثيرة تحت الجسور، وترمب يطرح مجدداً في مطلع هذا العام ما أطلقوا عليه صفقة القرن، وتصب بنودها لصالح إسرائيل.
كل شيء في الدنيا مرتبط باللحظة الزمنية، التي نعيشها، فهي التي تُشكل مفردات القوة أو ثغرات الضعف، هل ينجح الرجل العجوز في العودة للمستطيل الأخضر مجدداً والدخول للموسوعة، وهل ينجح العرب في الوصول لتحقيق أحلامهم لفلسطين العربية؟