بقلم:طارق الشناوي
سيأتي زمن أتصوره قريباً، معدل مقياسه بالأسابيع وليس الشهور، لنتذكر تلك الأيام التي وقفنا فيها جميعاً، على أطراف أصابعنا، نُطل على حافة الخطر، وتتأكد مقولة عالم الاجتماع مارشال ماكلوهان «الدنيا قرية صغيرة»، كان يقصد سرعة تناقل الأخبار، ولكن ما عشناه ولا نزال، لم يعد مجرد خبر نشاهده في التلفزيون لندير «الريموت كونترول» لقناة أخرى، ولا مجرد حدث تقرأه في جريدة ثم تطويها؛ أصبحنا نتابع خبرنا، وليس خبراً عن الآخرين، الحريق الذي شب عند الجيران، حتى لو كان في الطابق العلوي، بينما أنت تقطن «البدروم»، لا يعني أنك بمأمن عن ألسنة اللهب. لو لم تشارك في إطفاء النار، سوف تجدها لا محالة تحت قدميك.
ما جرى في الصين أزعج العالم، وعندما أعلنت تعافيها وسيطرتها على الفيروس، نزل الخبر علينا جميعاً برداً وسلاماً، وبعدها توحدنا مع ما يجري ولا يزال في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية.
الإجراءات الاحترازية في العالم كله صار مرحباً بها من الرأي العام، الذي يطالب أيضاً بالمزيد منها.
إلا أن السؤال هل الاحتراز يعني أن نسارع بإغلاق كل النوافذ، أم تظل لدينا أبواب مواربة؟ قد يأتي زمن أراه قريباً ونفتحها، فلماذا نغلقها كلها بـ«الضبة والمفتاح»؟
نوقف الأنشطة الجماهيرية، مثل حضور مباريات الكرة، ولكن هل يتوقف لعب الكرة نهائياً، نشرت جريدة «الشرق الأوسط» قبل يومين، عن حفل عُرس في إيطاليا ارتدى العروس والعريس الكمامة فيه، ولم نشهد في المراسم حضوراً جماهيرياً، تم الزواج وحضره الكاهن طبقاً للتعاليم الكاثوليكية. مثلاً في مصر ورمضان على الأبواب، ألغي تصوير مشاهد المجاميع (الكومبارس)، ولكن لم يتوقف تصوير الأفلام ولا المسلسلات، هناك قواعد صارمة بتعقيم أماكن التصوير، وكل الفنيين يرتدون الكمامات أثناء التنفيذ، ما لا يدرك كله لا يترك كله، لدينا مثلاً في مصر أصوات تطالب بإيقاف استكمال كل الأعمال الدرامية والسينمائية لأجل غير مسمى، الناس في العديد من دول العالم حالياً، وبنسبة كبيرة، صار عالمهم هو البيت، والسفر هو الرحلة التي تقطعها من غرفة النوم إلى الطعام أو الصالة، وعليك أن تفكر ألف مرة قبل أن تغادر باب الشقة، وهذا يعني أن الأعمال الدرامية التي سيبثها التلفزيون في البيوت صارت قضية أمن قومي.
أتابع بشغف موقف إدارة مهرجان «كان السينمائي»، الهيئة المنظمة أجلت الدورة، وحتى كتابة هذه السطور، لم يتم إلغاء المهرجان، ولكنْ إرجاؤه للفترة من نهاية يونيو (حزيران) إلى مطلع يوليو (تموز)، هذا الموقف يمنحنا بارقة أمل، بأن في نهاية النفق المظلم، ربما تلوح من بعيد بقعة ضوء.
الأمر ليس له علاقة مباشرة بالتفاؤل والتشاؤم، بقدر ما هو التزام بقانون الحياة، التي تعني أن نفكر كلنا في الغد عندما يصبح علينا جميعاً مغادرة بيوتنا، ونترك العالم الافتراضي الذي صار يحيط بنا، ويفرض قانونه علينا، لنعود مجدداً لعالم الواقع، ويجب أن يظل الواقع في حالة استعداد لاستقبالنا.
الإلغاء لكل أوجه الحياة ليس هو الحل، الاحتراز مطلوب، إلا أنه لا يعني الهلع، كما أن انتظار الغد بابتسامة، لا يعني زوال الخطر.
سيأتي يوم وستطوى تلك الصفحة، لنخرج من تلك الأزمة، ونحن أكثر شفافية وعشقاً للحياة ومحبة لكل البشر، بعيداً عن حواجز التاريخ والجغرافيا، ونردد مع محمد منير «يهمني الإنسان ولو مالوش عنوان».