بقلم : طارق الشناوي
رسائل مليئة بالاستعطاف بعثَ بها عدد من مطربي ما يعرف بـ«المهرجانات» إلى هاني شاكر نقيب الموسيقيين المصريين، كل منهم يرجوه أن يتراجع عن موقفه الصارم بمنعهم من الغناء، لجأوا إلى استخدام سلاح «أكل العيش»، وأن المطرب ليس فقط فرداً، ولكن فرقة موسيقية و«كورال» تنفق على حياتها من خلال مردود هذه الحفلات، بات هؤلاء بلا مورد رزق، ولأنهم يعلمون أن هاني يفضل دائماً أن يسبقه لقب «أمير الغناء العربي»، فلقد حرصوا على نعته باللقب، كما أنهم أضافوا صفة أخرى أنه بمثابة الأب للجميع، وأنهم نادمون على أي رد فعل متجاوز ارتكبوه في لحظة غضب، وهم مستعدون لتقديم وافر الاعتذار والتبجيل للنقابة والنقيب، مقابل فك الحظر عنهم.
هاني اختار الموسيقار الكبير حلمي بكر لرئاسة لجنة الاختبار، ورأي حلمي المعلن والموثق من قبل حتى رئاسته اللجنة، أنه ضد السماح لهذه الأصوات بممارسة الغناء، ولا أظن أن هاني سوف يتراجع بسهولة عن تنفيذ القرار، سيحترم قطعاً ما انتهت إليه اللجنة، ولن يضعف أمام الاستجداء.
المؤكد أن تعبير اللياقة أو عدم اللياقة الفنية، لا تستطيع وأنت مطمئن أن تُطلقه، على الأصوات، يكفي أن نذكر أن عبد الحليم حافظ، في بداية مشواره (مطلع خمسينيات القرن الماضي) أقرت لجان موسيقية رفيعة المستوى، أن صوته غير صالح، للوقوف أمام الميكرفون وتسجيل الأغاني الإذاعية، ستقولون هل نقارن الثرى بالثريا؟ عبد الحليم مطرب دارس وأكاديمي، بينما هؤلاء في الأغلب الأعم لم يتلقوا أي قدر من الثقافة الغنائية أو حتى العامية، كل ما ذكرتموه وأكثر أنا متفق فيه معكم و«أبصم بالعشرة»، ولكن كما يقولون «لكل مقام مقال»، هذا الزمن طرح أفكاراً أخرى ومواصفات مغايرة، لإمكانيات المطرب، لم يعد مطلوباً بالضرورة أصوات بها سحر أم كلثوم وفيروز ووديع الصافي وكاظم الساهر ولطفي بوشناق، والقائمة قطعاً تطول، نحن بصدد زمن فرض مواصفات مغايرة وأصوات أخرى، مثل أغاني «مطربي المهرجانات» تؤدى بكلمات بإيقاع ونغم شبه ثابت، القسط الأكبر من أغانيهم لا تحمل أفكاراً شعرية أو موسيقية، مجرد كلمات جوفاء سهلة الترديد ولكنهم يحرصون - أقصد الأغلبية - على أن يتجنبوا الكلمات البذيئة.
أنا لا أدافع عن فنان بعينه، من تلك الأصوات، التي باتت ممنوعة من ممارسة الغناء، ولكن يجب أن نضع في المعادلة أن لهم جمهوراً عريضاً، من مختلف فئات الشعب، وكل أطيافه، وأن أفراح المصريين في العادة لا تخلو من أغانيهم، وفي كل دول العالم ستجد أن هناك غناءً موازياً يعبر عن ذوق فني مغاير، لما تعارف عليه الناس.
كانوا محط أنظار العديد من الباحثين لرصد ما قدموه اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً ونفسياً، واكتشاف الدلالات والتأويلات التي تحملها أغانيهم، في النهاية ستكتشف مهما كانت لك من تحفظات سلبية، أنهم نبت طبيعي، لما يجري على أرض الواقع.
يلجأون الآن لاستعطاف نقيب الموسيقيين، لأنهم وأسرهم ومن يعملون معهم، فقدوا لقمة العيش، النقيب والنقابة ملتزمون بقرار اللجنة الرافض لوجودهم، ويبقى السؤال هل يمكن مصادرتهم من الخريطة الغنائية بـ«جرة قلم»؟... هم لديهم حق في التعبير بمفرداتهم وأنغامهم الخاصة، بينما من حق الناس والنقابة أن تستحسن أو تستهجن، لا أن تصادر.