بقلم:طارق الشناوي
تقريباً كل الإعلاميين، وعدد لا بأس به من الفنانين ورجال السياسة والاقتصاد والفكر، يواجهون هذا الموقف، ماذا قلت قبل سنوات، وما الذي تقوله الآن، المثل الشعبي الشهير يقول «إذا كنتم نسيتوا اللي جرى هاتوا الدفاتر تتقرا»، طبعاً الدفاتر الآن ليست فقط للقراءة بعد أن يتم تداولها عبر «النت» بالصوت والصورة.
لديكم مثلاً جنازة وعزاء الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، عدد من الذين ذهبوا لتأدية الواجب صاروا تحت مرمى نيران (السوشيال ميديا) بحسن نية ربما، أو بسوء أيضاً ربما، حيث سارع البعض بالبحث، عما قالوه في الفضائيات قبل «ثورة 25 يناير 2011» وبعدها، وقارنوا ذلك، بدموعهم الحارة أثناء الجنازة والعزاء.
أن يظل الإنسان على نفس الموقف متشبثاً بنفس الرأي طوال حياته، ضد الطبيعة البشرية الصحيحة، الحقائق أو الوثائق الجديدة، يجب أن تتغير في تعاطي الإنسان مع كل المواقف، وإلا أصبح في هذه الحالة (دوجما) يُكرر الرأي، ويستعيد نفس المشهد ولا تُنضجه التجربة، ولا مرور الأيام، ما كنت متحمساً له بالأمس حتى ولو كان القريب، لا يعني أن تظل تردده وتؤمن به للأبد.
«السوشيال ميديا» أحياناً تستغل التناقض الظاهري في الآراء دون أن تضع أي مؤثر جديد لعب دوراً في كشف حقيقة ما، إلا أن المرفوض والمستهجن هي حالة النفاق التي تنتاب البعض عندما يتوجه مؤشر اختياراته فقط صوب مصالحه اللحظية، ليصبح مثل دمية «اليويو».
انتشر مثلاً قبل سنوات، على مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع لنجم كبير وهو يؤيد تباعاً كل رؤساء الجمهورية في مصر، دون أن يستثني أحداً، رغم اختلاف كل منهم في توجهه السياسي والفكري، وكأنه يستعيد جملة ترددت على لسان الكوميديان الراحل سعيد صالح في مسرحية «هاللو شلبي»، مشيراً إلى الخضوع المطلق لمن يُمسك بزمام السلطة، أي ما كانت أفكاره، وهي (اللي (من) يتجوز أمي أقول له يا عمي).
نعم هناك من يصطاد أو بتعبير أدق يتصيد، أو يأخذ كلمة بعيداً عن سياقها وزمانها، من أجل التشهير، وعن سبق الإصرار والإضرار، ولكنى أتحدث هنا عن موقف مغاير، تبدو من خلاله الشخصية، وهي تنحاز فقط لمصالحها الآنية الضيقة، ولا تلقي بالاً بأن هناك من سيستعيد الشريط مجدداً، هذا الموقف وإن اختلفت وسائله ليس جديداً، وكثيراً ما شاهدناه، عبر الزمن، مثلاً في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، عندما تقرر استبعاد أم كلثوم وعبد الوهاب في بداية «ثورة 23 يوليو» لأنهما غنيا للملك فاروق، ثم تقرر في زمن عبد الناصر بعدها منع فقط الأغاني التي أشادت بالملك فاروق، وأيضاً حذف كل صوره من الأفلام، ثم في منتصف السبعينيات، أعاد أنور السادات هذه الأغاني للتداول، كما سمح بعرض صور الملك فاروق، الآن لا تستطيع أي سلطة مصادرة أغنية أو صورة أو رأي.
الكل صار يملك أدواته التي يدافع بها عن نفسه، ويسجل أرشيفه حتى لا يُصبح عُرضة للتلاعب أو التزوير. علينا في هذا الزمن، أن نتمتع بذاكرة حديدية نستعيد كل مواقفنا وآراءنا السابقة، قبل أن نُدلي بأخرى، حتى لا تبدو في جانب ما متناقضة، أصحاب ذاكرة الأسماك لا يتذكرون ماذا قالوا بعد ثوانٍ، حذار في زمن «السوشيال ميديا» من ذاكرة الأسماك!