بقلم:طارق الشناوي
أعيش في أجواء مهرجان «برلين» المليء بالأفلام والقضايا، تستطيع أن ترى في المهرجان كل الأطياف والتوجهات السياسية، وهي تعبر عن نفسها بحرية، بينما في مصر نعيش فقط ليس في مهرجان واحد، ولكن في «مهرجانات»، وأعني بها تلك الأغاني الشعبية التي انتشرت في السنوات الأخيرة، وصارت هي العنوان الأكثر بروزاً، وسيطرة على مزاج الناس، فهي الغناء المفضل، لدى قطاع من الجمهور، بينما قرار المصادرة الذي يخاصم ليس فقط قانون العدالة، ولكن قانون الحياة، لا يزال له الكلمة العليا، نقيب الموسيقيين هاني شاكر والنقابة وجزء من المجتمع لا يرى حلاً سوى الإقصاء، بل والسجن أيضاً لمن يخالف التعليمات.
كثيراً ما تعرض المطربون والمطربات للمصادرة حتى الكبار منهم، تعددت الأسباب، والمنع واحد، لديكم مثلاً أغنية فريد الأطرش الشهيرة «يا عوازل فلفلوا»، اعتبرها النحاس باشا رئيس وزراء مصر الأسبق عام 1951 لا تليق بموسيقار كبير، مثلاً الموسيقار الرصين رياض السنباطي، لحن لشادية بكلمات حسين السيد «أحب الوشوشه»، تحرجت الإذاعة المصرية في إذاعتها بسبب فعل «الوشوشه»، أحياناً تغير السياسة يؤدي للحجب، لديكم قصيدة «رسالة إلى الزعيم»، كتبها نزار قباني ولحنها السنباطي، وغنتها أم كلثوم في أعقاب رحيل عبد الناصر، ثم طلبت السلطات من أم كلثوم، تلبية لرغبة الرئيس أنور السادات، عدم غنائها، وكان عبد الناصر قد سبق وأن منع كل الأغنيات التي تذكر اسم الملك فاروق من التداول مثل قصيدة «الفن»، ومع الزمن ومع اختفاء الظروف تم تداول كل هذه الأغنيات.
تلعب أحياناً المعادلات الاقتصادية الدور المحوري، بات مطربو المهرجانات هم الأكثر طلباً في الأفراح سواء أقيمت في الشوارع أو في فنادق 7 نجوم، بينما جيل قديم من المطربين أصبح خارج نطاق الخدمة، هل المشكلة في سيطرة ما يعرف بـ«المهرجانات» أم أن الجيل الأسبق توقفت بعدد كبير منهم عقارب الزمن، في المقابل لا يزال مثلاً عمرو دياب وأنغام ونانسي وكاظم وتامر وإليسا ومنير وغيرهم مطلوبين. أغنية حسن شاكوش وعمر كمال «بنت الجيران» حققت أرقاماً ضخمة في السوق، استطاع عمرو دياب بشريطه الأخير أن يتجاوزها رقمياً، لأنه ببساطة أدرك كيف يقرأ شفرة «التواصل» مع جمهور هذا الأيام.
محاولات مطاردة نوع من الأغاني ستسقط مع الزمن، فلا يمكن أن تتحدى وجدان الناس، لا يوجد قرار يعاقب فقط المطرب، ولكن يعاقب الجماهير أولاً الذين وصل عددهم إلى 100 مليون ناطق بالعربية.
نقابة الموسيقيين حدودها القانونية لا تتجاوز مصر، وبالتالي سيقدم هؤلاء المطربون حفلاتهم في العديد من الدول العربية، وسيتابعها الجمهور المصري على «الميديا».
على مر الزمن دخلت النقابة والأجهزة الرسمية في معارك مماثلة لحجب أغانٍ أو مطربين، مثلما حدث في نهاية الستينيات مع أحمد عدوية، بعد أغنية «السح الدح إمبوه»، ثم صار عدوية الآن يمثل في الذاكرة الجماعية، الغناء الشعبي الأصيل، وهو ما تكرر مع شعبان عبد الرحيم فصارت أغنيته «باكره إسرائيل وبحب عمر موسى» هي الأولى في التداول، وبعد رحيله شاركت كل الفضائيات والإذاعات الرسمية في وداعه، تلك هي الحكمة التي لم ولن يدركها حزب المصادرة، وسينتصر في نهاية الأمر «شاكوش» وشركاه، ولكم في عنقي الأسبوع المقبل إطلالة في تلك المساحة على مهرجان «برلين».