بقلم : مرسى عطا الله
لن ينصلح الحال فى دولاب العمل المصرى إلا إذا اختفت كل دعاوى «المساواة» التى تبدو فى ظاهرها أنها «حق» بينما هى فى مضمونها «باطل»، فالمساواة فى الفرص والحقوق شيء مفروغ منه لكى ينبغى ألا يؤخذ به للمساواة بين المجتهد والكسول أو بين الخبير والمبتدئ، أو حتى بين «المتميز» الذى يمثل عملة نادرة فى مهنته «والمؤدى» الذى توقف سقف طموحه عند نقطة معينة.
أتحدث عن الحاجة إلى مفاهيم جديدة فى ثقافة العمل، لأنه لا سبيل أمامنا للسير على طريق النهوض دون إعادة الاعتبار للمسئولية الفردية فى دولاب العمل لمعرفة من هو المنتج ومن هو الكسول ومن هو المساهم ومن هو العزوف، وبما يزيل أى التباس ينشأ عن التوصيف غير الدقيق لمعيار تكافؤ الفرص ومعيار العدالة.
والحقيقة أن ما شجعنى على إثارة هذه القضية هو خطاب رقيق وكريم تلقيته من الدكتور أحمد الجيوشى يقول فيه «طالعت بكل اهتمام ما خطه قلمكم الأريب فى الأهرام الثلاثاء تحت عنوان «ثلاثية السيسى وكوارث الإهمال» وأنا أتفق تماما مع ما ذهبتم إليه من أن الطريق للتقدم والنمو يمر عبر العلم والعمل، هذا صحيح لكننى أضيف عنوانين آخرين هما معيار العدالة ومعيار تكافؤ الفرص، لأن طريق العلم والعمل لن يقودنا إلى تقدم حقيقى ما لم يقترن بمبدأ العدل بين الناس وكذلك مبدأ تكافؤ الفرص الذى يؤدى غيابه إلى غياب قيم الولاء والانتماء مما يعطل السير على طريق النجاح».
وربما تحضرنى هنا الواقعة الشهيرة التى كانت نقطة تحول فى فلسفة حزب العمال البريطانى قبل عدة عقود ليطلع عليها الدكتور الجيوشى، حيث كانت تتم معاملة الجميع فى المهنة الواحدة على السواء، فمثلا كان يتم إعطاء مدرس الرياضيات والفيزياء الذين يعتبرون عملة نادرة نفس الرواتب التى يتقاضاها مدرسو اللغة الإنجليزية الذين يتوافر فائض كبير منهم، ولكن سرعان ما اضطر حزب العمال لمراجعة وتعديل هذه الفلسفة بعد أن بدأت ملامح الانهيار تهدد علوم الرياضيات والفيزياء بعد أن تراجع الإقبال على التخصص فى تدريسها طالما أنه لا فرق بين من يجهد نفسه سنوات وسنوات ليتأهل لتدريس الرياضيات والفيزياء وبين من لا يحتاج سوى بضعة «كورسات» لتدريس اللغة الإنجليزية، ولهذا تغيرت الفلسفة القديمة لقانون العمل البريطانى، وانتصرت الفلسفة الجديدة بأن الأفراد يختلفون وأن من يقدم أكثر وأفضل يجب أن يحصل على مقابل أكثر من غيره.
نقلا عن الأهرام
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع