توقيت القاهرة المحلي 09:03:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«فقدت حجة إقناع الناس وإقناع نفسي»!

  مصر اليوم -

«فقدت حجة إقناع الناس وإقناع نفسي»

بقلم: حنا صالح

أعلنت الهيئات الاقتصادية في لبنان التوقف عن العمل ثلاثة أيام، ابتداءً من اليوم الخميس، وقالت إن الانهيار غير مسبوق، وإن «الثقة بالطبقة السياسية نزلت إلى ما دون الصفر». وكشف وزير العمل أن مئات المؤسسات تقدمت بـ«طلبات للموافقة على إنهاء عقود موظفيها»، كما أن غالبية المؤسسات سددت للعاملين لديها نصف راتب عن شهر أكتوبر (تشرين الأول)، وألزمتهم التوقيع على بياض لتقاضي نصف راتب عن شهري نوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول). ووفق جمعية الصناعيين، فإن ما نسبتها 50 في المائة من العمالة الصناعية ستفقد عملها في نهاية العام، أي نحو 80 ألف موظف وعامل. وفي غياب الإحصاءات تتحدث أوساط نقابية عن تسريح عشرات ألوف الموظفين والعمال من المؤسسات المتعثرة!
ونتيجة للتمادي في النهب، والشح في المداخيل العامة، ستكون الخزينة في أجل قريب عاجزة عن تسديد رواتب العاملين في القطاع العام. وما لم يعد سراً، يعاني الحساب رقم 36 (الحساب الرسمي للدولة في مصرف لبنان) من شح كبير، نتيجة تراجع عائدات الجمارك والهاتف الخليوي والضريبة على القيمة المضافة. وقد رفض مصرف لبنان تمويل الحساب المذكور، الأمر الذي يشي بأنه إن تأمنت الرواتب لهذا الشهر فستكون مهددة بالانقطاع الشهر القادم. وهنا نتحدث عن نحو 250 ألفاً من العاملين في الأسلاك الإدارية والعسكرية!
والحديث يبدأ ولا ينتهي بشأن انهيار في الأفق يطال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مع ما له من تداعيات على مدخرات التقاعد والتقديمات الطبية.
لم ينشأ هذا الوضع بين عشية وضحاها؛ بل إن المؤشرات عليه قديمة وإن برزت في الأشهر الماضية، وسرَّع التمادي الفظ في فرض الضرائب خروج اللبنانيين إلى الشارع ليلة 17 أكتوبر، والأكيد أنه في ذلك اليوم لم تكن الصورة السوداوية معروفة لدى العموم، ولم تكن هناك مخططات للبقاء في الشارع، وربما لا ثقة بأن صرخة الغضب سيتم سماعها؛ لكن المفاجأة كانت كبيرة، وتمثلت بتجاوب لم يعرفه لبنان، عمَّ المناطق والطوائف، وشمل مساحة الوطن، وجمع موجوعين لهم حقوق قرروا أن: كفى انتهاك لكرامات الناس وإذلالهم.
وسرعان ما تأكد أن لبنان دخل زمن الثورة التي تميزت بانتزاع النساء دورهن في قيادتها، وتأكد أن المحرك جيل فتي نشأ وعيه ما بعد الانقسام الطائفي (8 و14 آذار)، وشبَّ بعد التحريرين: من إسرائيل في عام 2000، ومن سوريا في عام 2005، وعاش في ظل فساد سياسي غير مسبوق تحميه بندقية الدويلة.
هذه الثورة التي تميزت بأنها لا مركزية، وبأنها عابرة للطوائف، قدمت النموذج الأكثر إشراقاً، وهو أن الحشود التي غطت ساحات لبنان لم تسجل تخريباً ولا اعتداء ولا سرقة أو تنمراً، ما مكنها من «اجتياح» ما كانت تسمى البيئة الحاضنة لـ«حزب الله»، فاهتزت الهيمنة المفروضة، وتجاوز الناس الاستتباع وتحديات الاتهام بالعمالة والاعتداء الجسدي المباشر.
وتتالى سقوط الحواجز، وعادت بيروت العاصمة الجامعة، وشكَّل التواصل البوصلة، وتآخت الساحات والمناطق وتبلورت المطالب: محاسبة ومساءلة، ووقف الهدر والفساد، واستعادة الأموال المنهوبة. وكان التصويب على مسؤولية التحالف الطائفي المتسلط، فسحب الملايين الثقة، وسقطت حكومة العهد الأولى، ليتبلور المطلب المحوري: حكومة إنقاذ من مستقلين عن الأحزاب الطائفية، تعيد الثقة للداخل والخارج، ربما تستطيع فرملة الانهيار ووضع البلد على سكة التعافي.
خطب مملة ألقيت، كان الجامع بينها أنها لم تظهر نية جدية في الاستماع لصوت الناس ومطالبهم؛ بل استمرت حال الإنكار، وبدا أن قفل ومفتاح المأزق بين يدي حسن نصر الله، الذي أظهر تمسكاً بكل التركيبة السياسية التي صنَّعها بعد التسوية في عام 2016، والتي منحت «حزب الله» قرار البلد. وهكذا بين الضاحية الجنوبية وقصر بعبدا، تم احتجاز الملف الحكومي، فلا استشارات يفرضها الدستور ولا تكليف؛ بل تمسك بتقديم بدعة التأليف، بينما الأزمات تتناسل. ويرفض الحاكم الفعلي حكومة مستقلين؛ لأنها تعني تصفير نتائج الانتخابات النيابية، ويتغافل عن أن برلمانهم سُحبت منه الشرعية، ويتجاهل المعنى الحقيقي لما أنجزته الثورة في زمن قياسي، إذ أدت إلى تغيير نوعي في نظرة المواطنين إلى أنفسهم، لم يعودوا رعايا؛ بل مواطنين تخطوا بإرادتهم الانقسامات السابقة، وحققوا أول مصالحة وطنية طوت صفحات الحرب الأهلية.
رغم سقوط التخوين، وإعلان الحريري عزوفه النهائي عن الترشح لرئاسة حكومة جديدة لـ«حزب الله»، كاشفاً عن «ممارسات عديمة المسؤولية» وأن ما يمنع المعالجة حالة الإنكار المزمن، ومعلناً تفهمه مطلب الشارع «محاسبة من في السلطة اليوم وتغيير التركيبة»، وهو موقف يخلخل التسوية، وضع الأمين العام الأشهر تهديده بالنزول إلى الساحات في التطبيق، فكان السيناريو المحكم ليلة مرور 40 يوماً على بدء الثورة، فبعد بيان مشبوه عن «انتهاء سلمية الثورة»، بدأت أحداث جسر الرينغ المدبرة، وبدأ عناصر «حزب الله» و«حركة أمل» التعديات اليومية المبرمجة لترهيب الثوار السلميين، وطالت التعديات الأملاك العامة والخاصة، وتركوا بصماتهم: «نصر الله وبري خط أحمر»، تماماً على غرار الشعار الذي كان يتركه شبيحة النظام السوري بعد كل غارة على المدنيين: «الأسد أو نحرق البلد»!
التعديات الميليشياوية من بيروت إلى صور وبعلبك، تعبر عن الصورة الحقيقية لهذه الجهة التي أدركت أن الثورة نقيضها، وكل ما يحدث نقيض كل ما استثمر فيه الحزب وحرض عليه، وهو يعرف أنه خسر قسماً كبيراً مما كان يظن أنه خط الدفاع الشعبي له، فتوسل «حزب الله» الفوضى والتهديد بالحرب الأهلية، لقلب المعادلة التي أحدثتها الثورة، وللإيحاء أن الحزب ما زال يملك القرار الشيعي ويصادره، وأن مكانته لم تهتز، معتمداً هذا المنحى لفرض إعادة استنساخ الحكومة التي أسقطها الشارع؛ لكن ما فات المخططين هو أن أحداث الأيام الماضية طوت ثلاثيتهم، فباتت ميليشيات «حزب الله» بوجه الجيش الذي أعطى ظهره للثوار ووجهه للميليشيات، وبات الحزب بوجه الشعب ومطالبه المحقة، وأفضل من عبر عن الدرك الذي انحدرت إليه هذه الميليشيات في الدفاع عن الفساد، كانت تغريدة المواطن طارق موسى الذي كان مناصراً للحزب: «كيف فيني أقنع حالي لما بشوف هيدول الفقراء عم يحاربوا ثورة قامت ضد الفقر» ويضيف: «ولا يوم كنت فكر أنه (حزب الله) حيكون ضد محاربة الفساد. فقدت حجة إقناع الناس وإقناع نفسي».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«فقدت حجة إقناع الناس وإقناع نفسي» «فقدت حجة إقناع الناس وإقناع نفسي»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:23 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً
  مصر اليوم - خروج مسلسل ظافر العابدين من موسم رمضان 2025 رسمياً

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 11:41 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

ميتسوبيشي تعلن طرح "إي إس إكس" 2020 أيلول المقبل

GMT 07:09 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

معرض بريطاني فوتغرافي للهاربين من نار النازية

GMT 23:36 2019 الخميس ,16 أيار / مايو

بورصة تونس تقفل على ارتفاع بنسبة 41ر0 %

GMT 03:43 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

رنا سماحة تستعد لطرح أحدث أغانيها "مكسورة"

GMT 22:32 2019 الأربعاء ,02 كانون الثاني / يناير

المخرج كريم اسماعيل يوقع عقد إخراج فيلم "الشاطر"

GMT 22:29 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

ابنة هيفا وهبي وحفيدتها يشعلان مواقع التواصل بمقطع فيديو
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon