توقيت القاهرة المحلي 21:14:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بين حرب مدمرة أو استنزاف طويل!

  مصر اليوم -

بين حرب مدمرة أو استنزاف طويل

بقلم - حنا صالح

يمكن وصف الأربعاء 27 مارس (آذار) الماضي بأنه يوم الجنازات في لبنان. جنازات المدنيين، وبوجه خاص جنازات المسعفين الطبيين في يوم انفلات الاستهداف القاتل. يكره الصهيوني المسعف لأنه ينقذ الجرحى، ويكره النساء لأنهن ينجبن، ويكره الأطفال لأنهم سيشبون، ويكره المصور والمراسل الصحافي لأنهما ينقلان للعالم صور المحارق الجماعية التي ينفذها التوحش الصهيوني!

ترافق تحويل بلدات الجنوب المستباح حقول موت، مع استعداد حكومة مجرم الحرب نتنياهو لتوسيع العمليات العدوانية ضد لبنان وصولاً إلى حربٍ مفتوحة. والعنوان إنهاء نتائج حرب «حزب الله» المحدودة منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. فيعلن قائد المنطقة الشمالية الإسرائيلي: «جاهزون من الليلة للتصرف على الحدود اللبنانية، وعازمون على تغيير الوضع الأمني». وبعدما جمع الإسرائيلي بين جبهتي لبنان وسوريا، فطاولت الضربات الخطوط الخلفية لـ«المقاومة الإسلامية» وطرق الإمداد وما يُعتقد أنه أماكن تخزين الصواريخ والمسيّرات، وكانت ترجمته غارات على بعلبك ومحيطها والهرمل أقصى شمال شرق لبنان... يصدر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هاليفي أمراً «بتوسيع دائرة الأهداف في لبنان إلى نحو 200 كلم من الحدود»... ما يعني استباحة شاملة لأن امتداد البلد من الشمال إلى الجنوب لا يتجاوز 220 كلم!

تأكد هذا المنحى مع تراجع الرهان على حلٍ ديبلوماسي، يتفادى الحرب ويسمح بعودة المهجرين من جانبي الحدود، تكون ركيزته عودة حقيقية إلى القرار الدولي 1701 معطوفاً على إمكانية حسم الخلافات المتبقية بشأن النقاط الحدودية. حلٌ لو توافرت جدية من بقايا السلطة لملاقاة الجهود الدولية لكان من شأنه استعادة أمن الجنوب وسلام لبنان مقابل إسقاط أي إمكانية مستقبلية لتكرار «7 أكتوبر» من حدود الجنوب.

أمام مخاطر محدقة بلبنان الكيان والمواطنين، يبدو «حزب الله» عالقاً في عنق الزجاجة، لا يملك قرار وقف حرب «المشاغلة» التي فشلت أهدافه المعلقة عليها ولم ينقضِ الأمر بسقوط رهاناته اللاواقعية، بل تسببت بجعل مناطق جنوبية أرضاً محروقة وبلدات سيتعذر طويلاً إعادة عمرانها، فلا يملك قرار التخلي عن مواقعه؛ لما سيكون لذلك من ارتداد سلبي على بيئته اللصيقة من جهة، ومن الأخرى على المشروع الإيراني للهيمنة وركيزته التهديد بتطويق الكيان الصهيوني. لذلك تبدو مواقف الإنكار والانفصام عن الواقع سمة مواقف «الحزب»، فيروّج عبر أبواقه لمقولات يعجز العقل العادي عن فك ألغازها من نوع أن إجرام إسرائيل يعكس «فشل المساعي الإسرائيلية للسيطرة على التصعيد من أجل فرض قواعد اشتباكٍ جديدة» وفق جريدة «الأخبار»، التي رأت أن «حرب المعادلات... وفّرت مظلة أمنية للبنان». ليتأكد هنا أن هذا الإنكار لا يضاهيه سوى إعلان رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية أمام المرشد الخامنئي أن «عملية (طوفان الأقصى) حققت إنجازات غير مسبوقة للشعب الفلسطيني» (...)، وكأن بين الجانبين تنافساً لمن سيكون السبق في تدمير غزة ولبنان!

هنا يبرز دور طهران التي مع تمسكها ببقاء تماسك محورها «المقاوم»، ترى في الوضع الناشئ منذ «7 أكتوبر»، ومع متطلبات عام الانتخابات الأميركية، حالة لا تتكرر لجهة الفرصة لتثبيت نفوذها. والأهم تكريس شرعية دولية لدورها، على غرار ما كان يوصف الوجود السوري في لبنان بأنه «ضروري ومؤقت» فاستمر لعقود. ومن هنا يصبح مفهوماً استخدام طهران وكلاءها في لبنان والعراق واليمن لخدمة هذه الأجندة. وإذذاك يصبح من نافل القول أنه لا يضيرها رسوخ نظرة عالمية لـ«حزب الله»، بأنه مجرد فصيل في «فيلق القدس» الإيراني، هوى ومهامات، واستثمر فيه نظام طهران لخدمة مشروع الهيمنة الإقليمية لإيران!

بهذا السياق، تبدو سطحية مطالبات أطرافٍ لبنانية لـ«حزب الله» بتسليم سلاحه، وهي لم تجد غضاضة منذ مؤتمر الدوحة في تضمين بيانات الحكومات المتعاقبة ثلاثية الصيغة الخشبية: «شعب وجيش ومقاومة»؛ ما غطى استباحة «المقاومة الإسلامية» للسيادة. إنها مطالبة تعادل دعوة النظام الإيراني إلى التخلي عن دوره، وعن الأدوات الدفاعية التي استثمر فيها خدمة لطموحات إمبراطورية للنظام الإيراني.

الأكيد أن قوى سياسية لبنانية وجهات نيابية راحت بعد ثورة «17 تشرين» اللبنانية تصنّف نفسها في موقع مناهضة «حزب الله» والمشروع الموكل إليه تنفيذه. وتشكل اليوم جانباً من فسيفساء واسعة رافضة توريط لبنان في الحرب. ما تعرفه هذه القوى ويعرفه خصمها المفترض، هو عجزها عن إقناع المواطنين بجدية طروحاتها. وكما لا يصح صيف وشتاء على سقف واحد، فإن مناهضة جر لبنان إلى الحرب لا تكون ببقاء التعاون الوثيق مع «الحزب»، في متابعة السياسات التي أدت إلى الإفلاس وانهيار مالية البلد واقتصاده وإفقار شعبه وإذلاله وتجويعه ووضعه وجهاً لوجه أمام حالة إبادة جماعية. نتكلم عن تكافل الطبقة السياسية في منع المحاسبة، وحماية الناهبين أركان الكارتل المصرفي السياسي الميليشيوي، وطي «التدقيق الجنائي»، إلى التساكن مع مخطط تعطيل العدالة في جريمة تفجير مرفأ بيروت وعدم اعتبار المحاسبة أولويتها... ومن ثم تلتقي مع «حزب الله» في ابتداع مشاريع مطروحة الآن للسطو على المستقبل من خلال الاستيلاء على أصول الدولة لتتضاعف ثروات أثرياء مرحلة «السلم الأهلي» وتتعزز مكانة «الاقتصاد الموازي» للدويلة!

من شويا قبل عامين إلى رميش بالأمس، إنها تجربة مواجهة السلاح اللاشرعي بالصدور العارية. بإمكان اللبنانيين أن يستعيدوا دور اللاعب السياسي كما برز في «ثورة تشرين» وفي التصويت العقابي في الانتخابات. وبإمكانهم إسقاط التهويل بالحرب الأهلية وإخراج لبنان من ثنائية حرب مدمرة أو استنزاف طويل. إن النخب «التشرينية»، كما الحالات التنظيمية وإن جنينية، أمام تحدي مبادرة تستعيد ثقة المواطنين في الداخل ودنيا الاغتراب بما في ذلك أوساط واسعة ضللها النفاق والترهيب الطائفي فاقترعت للقوى الطائفية، ليكون متاحاً رسم طريق لشل التهديد والسلاح، وإخراج لبنان من أزماته وإنقاذه. إنها «الكتلة التاريخية» الشعبية العابرة للمناطق والطوائف، حيث لا مكان لتكرار تجارب بيع وشراء ومقايضة وتقديم مصالح فئوية ضيقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين حرب مدمرة أو استنزاف طويل بين حرب مدمرة أو استنزاف طويل



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 15:49 2024 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب
  مصر اليوم - شيرين عبد الوهاب تعود لإحياء الحفلات في مصر بعد غياب

GMT 22:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

بشرى تكشف عن أمنيتها للعام الجديد

GMT 21:45 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فجر السعيد تفتح النار على نهى نبيل بعد لقائها مع نوال

GMT 20:43 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الأمير هاري يتحدث عن وراثة أبنائه جين الشعر الأحمر

GMT 20:11 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

تكريم توم كروز بأعلى وسام مدني من البحرية الأميركية

GMT 10:34 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 10:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 12:13 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

معوقات تمويل الصناعات الصغيرة والمتوسطة

GMT 15:36 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : ناجي العلي

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 04:09 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

تخفيضات تصل إلى 50% في أحد المتاجر الكبيرة في 6 أكتوبر

GMT 05:21 2021 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

الكشف عن مسببات جديدة تعزز من النوبات القلبية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon