توقيت القاهرة المحلي 06:19:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من نماذج التدمير الممنهج لدولة لبنان!

  مصر اليوم -

من نماذج التدمير الممنهج لدولة لبنان

بقلم - حنا صالح

في يوليو (تموز) 2021 ادعى المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ، على أركان في الطبقة السياسية، بجناية «القصد الاحتمالي» بالقتل. طال الادعاء، رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، والوزراء السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق ويوسف فنيانوس، إلى قادة أمنيين مثل اللواء طوني صليبا مدير عام جهاز أمن الدولة، واللواء عباس إبراهيم المدير العام للأمن العام وآخرين. وكان المستند الذي اعتمده القاضي طارق البيطار، تأكده أن المدعى عليهم، تسلموا بالفعل كتاباً خطياً، يحذّر من مخاطر مدمرة لبيروت ومميتة لأهلها، إن تفجرت شحنة الموت المخزنة في العنبر «رقم 12» في المرفأ!
لم يستقل مسؤول، ولم يعتذر ثانٍ، ولم يرف جفن ثالث، ولم يتم توقيف أحد. بل اتحدت الطبقة السياسية المتمسكة بقانون «الإفلات من العقاب»، لحجب الحقيقة ومصادرة العدالة. اتهم القاضي البيطار بالكبائر، وتم التشكيك بنزاهته ومصداقيته. تحول سياسيون إلى مراجع قضائية وهم مدانون داخلياً وخارجياً بتهم خطيرة، وراح الكل يفتي بأولويات التحقيق وهو سري وفق القانون. استخدموا منابر البرلمان والحكومة والمنابر الطائفية وسخروا الإعلام، لحماية المتهمين ومنع استجوابهم كي تبقى مجهولة الجهة، أو الجهات، التي منعت مسؤولين كباراً من التبصر بما قد ينجم عن إهمالِ تحذيرٍ هو بمثابة جرس إنذار. تصدر الحملة مع حفظ الألقاب: حسن نصر الله، وسعد الحريري، ونبيه بري إلى المجلس الأعلى للدفاع برئاسة ميشال عون!
منذ يوليو 2021 بدأ المدعى عليهم حرب الدعاوى القضائية لـ«رد» قاضي التحقيق، أو «كف يده»، أو «مخاصمة الدولة»، فأسقط القضاء بين صيف وخريف العام الماضي نحو 25 ادعاء. وكان أحد العناوين المعلنة، إلى جانب حماية المدعى عليهم ومنع كشف متورطين آخرين، عدم تمكين المحقق العدلي من وضع قراره الاتهامي قبل الانتخابات النيابية، وقالوها علناً؛ ما من جهة يمكنها أن تتحمل وزر وتبعات اتهام بالمسؤولية عن ترميد العاصمة، وإبادة جماعية طالت 240 شخصاً، وسقوط نحو 7 آلاف جريح، وتهجير 300 ألف مواطن نتيجة تدمير كلي أو جزئي، لنحو 90 ألف وحدة سكنية ومؤسسة عامة وخاصة!
سقطت كل محاولات إطاحة المحقق العدلي الشجاع، وانتفض قضاة كبار واتخذوا أحكاماً كبيرة، لكن كل المدعى عليهم ما زالوا على كراسيهم وكأن جريمة الحرب جرت في بلدٍ آخر! أما التحقيق العدلي فقد وضع على الرف منذ ديسمبر (كانون الأول) 2021، مع فقدان نصاب هيئة محكمة التمييز، أعلى هيئة قضائية مناط بها الفصل في دعاوى «مخاصمة الدولة»، وهي الدعاوى التي قبل البت بها لا يمكن قانوناً للقاضي البيطار متابعة التحقيق! لكن مجلس القضاء الأعلى تمكن من وضع مرسوم تشكيلات قضائية جزئية، طالت غرف محكمة التمييز، من شأنها تأمين نصاب الهيئة ما يُفعِّل العمل القضائي بمجمله.
تم احتجاز المرسوم لدى وزير المال يوسف الخليل، المحسوب على رئيس البرلمان بري بذريعة، بدعة فقدان «الميثاقية» (...) وهي حجة مردودة، كون التشكيلات لحظت دائماً 10 غرف لمحاكم التمييز، لا يترأس أي منها رئيس مجلس القضاء الأعلى، الذي يترأس الهيئة العامة للتمييز. وكانت التشكيلات الأخيرة عام 2020 انتهجت هذا المسار ووقعها يومها وزير المال غازي وزني المحسوب على بري دون اعتراض! هنا تجدر الإشارة إلى أن صفة وزير المال، تنحصر بشقٍ تقني إجرائي، وبما أن المرسوم لا يرتب أعباء مالية، ما كان ينبغي أن يصل إلى وزير المال لأن لا صفة له، فلماذا وكيف أرسل إليه؟ فيما أن احتجازه عطل صلاحيات رئيس الجمهورية المناط به إصدار القرارات والمراسيم!
يعرف اللبنانيون من التجربة، وبالأخص تجربة السنوات العجاف للعهد الأسود، عهد الانهيار الشامل وتغطية اختطاف الدولة وارتهان البلد واقتلاعه، وانضمام أهله إلى شعوب «قوارب الموت»، أن الكل شركاء وأصحاب مصلحة ببقاء «نظام الحصانات» و«الإفلات من العقاب»، وإلا لكانت الرئاسة تحركت! لكن مع الضغوط العالمية للإفراج عن التحقيق والعدالة، ومع اقتراب ذكرى السنة الثانية على جريمة الحرب، واستعادة المسؤولين مشهد مليونية السنة الأولى، على بقاء المدعى عليهم فارين من العدالة باشروا التحرك!
نائب رئيس البرلمان إلياس بوصعب، وهو مستشار عون، وعلى المنوال الحقيقي برفض اتفاق الطائف والدستور، والمضي بحكم البلد بالفتاوى والبدع، أطل من زاوية مصلحة الموقوفين على ذمة التحقيق باقتراح متصادم مع الدستور والقوانين. إنه مشروع تعديل يقزم مكانة ودور رئيس مجلس القضاء الأعلى، ويرضخ إلى فتوى طائفية خلفها رئيس البرلمان والذريعة: «هناك أشخاص موقوفون وهم يمكن القول عنهم أسرى (...) وهؤلاء الجالسون في السجن يريدون حلحلة المرسوم (...) ولا تفرق معهم إذا كان هناك ميثاقية طائفية بل يريدون الملف أن يمشي»! وتشاء الصدف أن يتزامن ذلك مع محاولة رشوة للقضاة في محاولة لتوريط القضاة بمنافع غير مشروعة!
ما يطرحه بوصعب، لن يحرك التحقيق أنملة، لأن القرار بذلك لدى «الثنائي المذهبي» بموافقة الآخرين، والكل يريد طي صفحة التحقيق بأي ثمن. فشكل الطرح نموذج تدمير ممنهج للدولة بالتسليم ببدعة «التوقيع الثالث»، بعد توقيعي رئيسي الحكومة والجمهورية، الذي يسعى بري وخلفه نصر الله لفرضه من ربع قرن!
يزعمون أن القضية بحثت في الطائف، ومن يزعم لم يكن موجوداً، ولا قيمة لهذا الادعاء لأنه ما من وثيقة مكتوبة تبرز ذلك. كل ما حدث أن أفكاراً طرحت ولم يتم الأخذ بها. الأساس إذن لم يرد في وثيقة الوفاق الوطني، ولا يوجد نصّ دستوري له، بل يستند إلى قوة الأمر الواقع: التعطيل للفرض، والتعطيل للقضم، والتعطيل لارتهان الدولة، والتعطيل لاقتلاع البلد وممارسة الحكم من خلال البدع والأعراف!
قبل نحو العامين «تبرع» سعد الحريري بوزارة المال لأن تصبح إقطاعاً شيعياً، فيصبح وزير المال سوبر وزير ويمنح حق الفيتو (...) ولأنه محمي ببندقية لا شرعية يعيث في المالية العامة، على ما بينت ذلك مضبطة العقوبات الأميركية، ضد علي حسن خليل، الذي منح «حزب الله» صفقات وعقوداً لا قانونية مكنته من التغول على الدولة! والأمر اللافت تمثل في انضمام ميقاتي مؤخراً لهذا المنحى بذريعة «ما بدي أفتح معركة الآن حول الموضوع»! والحريري وميقاتي، كما الجميع، يدركون أن هاجس «الثنائي المذهبي» المضي بتمزيق الدستور، والذهاب إلى حجز وتعطيل أي قضية، لا ترضي المخطط الخارجي لاقتلاع البلد، الذي يمر عبر تعليق الدستور وتجويف المؤسسات، وتعطيل السلطة بتهزئة مكانة رئاسة الوزراء والشغور في رئاسة الجمهورية! لذلك لا بديل للمتضررين من زلزال 4 آب 2020، من المضي في معركة العدالة للضحايا وللبنان، والفوز في هذه المعركة، بات رافعة لاستعادة الدستور ووقف تهديم الدولة واستباحتها!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من نماذج التدمير الممنهج لدولة لبنان من نماذج التدمير الممنهج لدولة لبنان



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 05:30 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات
  مصر اليوم - لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات

GMT 17:24 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم
  مصر اليوم - دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم

GMT 04:39 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك
  مصر اليوم - جيش منظم على الإنترنت ضد تزوير الانتخابات يدعمه إيلون ماسك

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة

GMT 13:06 2021 الثلاثاء ,08 حزيران / يونيو

أنشيلوتي يحسم موققه من ضم محمد صلاح إلى ريال مدريد

GMT 09:11 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحمل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon