بقلم- حنا صالح
رغم أن التوحش الصهيوني ضد المدنيين الغزاويين بلغ مستوى غير مسبوق، مع التدمير الممنهج والإبادة الجماعية والتهجير، ما أودى حتى الآن بحياة 15 ألف شخص أكثرهم من المدنيين، وفقدان الألوف تحت الأنقاض، إلى أعداد كبيرة من الجرحى، ليماثل الإجرام الصهيوني «الهولوكوست»، فإن مخطط «ترابط الساحات» لم يوضع في التنفيذ!
للتذكير فإن المشروع كما روّج له محور الممانعة، مفترض أنه يجمع قوى تخوض صراعاً وجودياً مع إسرائيل، التي تظهر تمسكاً مجنوناً بالحل العسكري للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، وتواصل القتل والاقتلاع والتهجير القسري وتعلن عن نواياها بإعادة الاحتلال، وتؤكد أن الحرب على غزة ليست إلا البداية، وأن استهداف الضفة الغربية على جدول الأعمال لتنفيذ أكبر تطهير عرقي لمد حدود دولة إسرائيل من النهر إلى البحر. هنا يضيق هامش الاختلاف بين قيادات إسرائيل من نتنياهو إلى غانتس ولبيد، فكلهم يتساوون في رفض حلِّ الدولتين، مطمئنون لانعدام أي رادعٍ أو جهة كابحة لهذا الجنون. ومع الأخذ بالاعتبار حجم الانعطافة الشعبية في إسرائيل نحو اليمين والتطرف، يصبح مفهوماً التعامي عن كل المناشدات العالمية والدعوات لمجرد القبول بهدنة إنسانية كمبادرة، تتيح تقديم مساعدات دوائية ومياه صالحة للشرب وغذاء للمحاصرين بالنار والدمار!
المروجون والدعاة لطروحات محور «الممانعة»، الذي يقوده النظام الإيراني، أعادوا التذكير بحكاية السبع دقائق والنصف لتدمير الكيان الغاصب «الأوهى من بيت العنكبوت». اتهموا «حماس» بإفشال مخطط تدمير إسرائيل، الذي حُدد عام 2024 لإنجازه، وأنها استبقت هذا التوقيت بالعملية التي بدأتها باقتحام مستوطنات غلاف غزة! وفي حصيلة خطابي حسن نصرالله، يومي 3 و11 نوفمبر (تشرين الثاني)، تأكيد بأن «طوفان الأقصى» عملية فلسطينية بحتة تخطيطاً وتنفيذاً وتوقيتاً، متعهداً مشاغلة العدو لمراكمة النجاحات (...) بالمقابل صُدم إسماعيل هنية في طهران عندما أبلغه المرشد بأنه «لم تتم استشارة طهران والتنسيق معها»، ما وضع إيران في موقف استراتيجي صعب، و«أدى إلى وجود أميركي أوسع في المنطقة»، لذا فهي ماضية في الدعم السياسي والدبلوماسي. ووفق الوزير السابق ظريف، فإن بلاده لن تنخرط في القتال دفاعاً عن غزة والغزاويين.
صار مملاً التذكير بأن «ترابط الساحات» ليس عنوان الدفاع الفعلي عن القدس والأقصى وبالتأكيد ليس عن غزة، بل هو مشروع استثمر فيه ملالي طهران لحماية نظامهم من أي استهداف أميركي أو إسرائيلي! وخدمة لمشروعهم الإمبراطوري يتم التذرع بالقضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين لزعزعة استقرار الدول العربية، لا سيما في شرق المتوسط. ويظهر اليوم أن طهران حسمت منحى التعامل مع إدارة بايدن السخية بالإفراج عن مليارات الدولارات لفائدة نظام الملالي ما تُرجم بوضع سقف معين لدور وكلائها!
لكن على وقع المجازر الوحشية في غزة من جهة، وحاجة «حزب الله» لتبرير سلاحه وسمعته والحفاظ على شعبيته من جهة أخرى، ونوايا العدوان الإسرائيلي وتكرر الانتهاكات من جهة ثالثة، بات لبنان على حافة انزلاق كبير مع احتدام التراشق على جبهة الجنوب، واتساع التقاصف المدفعي والصاروخي، وتسجيل تطور خطير في الأيام الماضية، من حرب المسيرات والصواريخ الثقيلة «بركان»، إلى التمادي الإسرائيلي باستخدام سلاح الجو الذي استهدف مناطق في شمال الليطاني، لم تتعرض لأي استهداف منذ انتهاء الحرب على لبنان عام 2006. وباتت الحصيلة مخيفة مع التجاهل الكامل للقرار الدولي 1701 وموجباته، ومرعب انعدام وجود جهة رسمية تتوقف أمام سقوط ضحايا مدنيين وحدوث تهجير واسع وخراب لاحق بالبيوت، كما عمليات الحرق المبرمج للبساتين والأحراج التي يقصفها العدو بالقنابل الفسفورية، لتتظهر جوانب من معاناة لبنان وشعبه المتروك لمصيره، بعد عقود من استباحة السلطة وتطييف المؤسسات وإفراغها وتغييب الدولة رغم الأخطار الوجودية الداهمة.
السؤال الذي يفرض نفسه، والمقلق للبنانيين الشهود على تحويل «حزب الله» الجنوب ولبنان، منذ بدء «طوفان الأقصى»، إلى ساحة في جبهة متقدمة، لطهران حق الإمرة عليها، هل بات مصير لبنان رهن التوقيت الإسرائيلي، بعدما سرّعت تل أبيب إمكانية الاستعداد المتزامن للحرب على أكثر من جبهة؛ خصوصاً أن إرجاء العدو توجيه ضربة استباقية للبنان وفق مخطط يوآف غالانت لا يلغي الخطر، بل فاقمه تطور المواجهة وما يسميه «حزب الله» حرب استنزاف؟! هذا ما حمل المستشار الرئاسي الأميركي لشؤون الطاقة عاموس هوكشتاين، على الانتقال المفاجئ إلى إسرائيل في خطوة أميركية غير عادية، للتأكيد على استعادة الهدوء وبهدف منع نشوب حربٍ على الجبهة الشمالية، قد تكون منطلقاً لمواجهة إقليمية.
المقبل بالنسبة للبنان مرشحٌ لأن يكون أسوأ وأخطر، ومتعذر اليوم تحديد كل مآلاته مع حكومة صهيونية من المتطرفين دعاة اقتلاع الفلسطينيين وتهجيرهم وفرض أكبر تطهير عرقي. حكومة يقودها نتنياهو الملاحق قضائياً بشتى التهم، فيراهن على توسيع الحرب وإطالتها ربما يحمل له ذلك على المستوى الشخصي معجزة تفضي إلى منع الحجر السياسي عليه ولا يزج به خلف القضبان... فيما توسيع الحرب وفق غالانت وجنرالاته يعني استعادة الهيبة وتثبيت قواعد ردع جديدة على الحدود الشمالية لإسرائيل، تطوي ما كان يعرف بـ«قواعد الاشتباك»، قاعدتها إلحاق دمار كبير بلبنان نموذجه غزة، ما دام هناك من يقول «الكلمة للميدان»، فيما القاصي والداني يعرف أن «حزب الله» هو الجهة الوحيدة الممسكة بقرار لبنان، وليس الجنوب وحده.