توقيت القاهرة المحلي 16:35:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لبنان: ألغام «التعطيل» و«القضم» ممكن إبطالها!

  مصر اليوم -

لبنان ألغام «التعطيل» و«القضم» ممكن إبطالها

بقلم: حنا صالح

شكلت المقاطعة المسيحية للانتخابات النيابية عام 1992 خطأً استراتيجياً قاتلاً، أتاحت للنظام السوري أن يعمق من احتلاله للبنان، عندما فرض تعليق الدستور ورسم آليات توجه النظام اللبناني ما بعد الحرب الأهلية واتفاق الطائف، إلى غير الوجهة التي تخدم البلد واستعادته لدوره وتلبية مصالح أهله وتطلعاتهم.
عجّلت تلك المقاطعة في تهيئة ظروف سلب البلد قراره، عندما جرى تسليط تركيبة سياسية جمعت رموزاً مافياوية من ميليشيات الحرب والمال، أقرت مسبقاً بمرجعية خارجية ممثلة بضابط من الجيش السوري مقيم في عنجر البلدة المتاخمة للحدود مع سوريا، طالما تزاحم «الزعماء» على تقديم فروض الطاعة له، ومنحه مرة مفاتيح العاصمة، وثانية بندقية مذهبة، لأن بين يدي «والي عنجر» تأليف الحكومات، وصياغة قوانين الانتخاب وتحديد الفائزين قبل بدء الاقتراع، وغيرها كثير، إنه التطويع الذي مكنه من قضم القرار!
عندما عاد المقاطعون منذ انتخابات عام 1996 كان التطويع فعل فعله، فجرت كل الانتخابات بين قوى متصارعة شكلاً، متحدة واقعياً، كأطرافٍ في نظام المحاصصة الطائفي الحزبي الغنائمي، الذي وفر لأطرافه كما سادتهم، مغانم لا شرعية! ومطلقاً لم تكن تلك المعارك بين موالاة ومعارضة، فلبنان لم يعرف معارضة جدية، فتشارك الكل سريراً حكومياً واحداً اختزل البرلمانات، وما كان صراعات سمح بها «والي عنجر»، لا تتعارض ورغبات دمشق إحكام سيطرتها. واستمر هذا الوضع حتى «انتفاضة الاستقلال» عام 2005 التي فجرها اغتيال الرئيس رفيق الحريري، عندها وفر الدعم السياسي الخارجي تبدلاً في المشهد، إنما لوقت محدود، لأن التحالف الرباعي في الانتخابات حصن نظام المحاصصة والتقاسم الطائفي الغنائمي.
يوم 24 يناير (كانون الثاني) الحالي طُرح في مجلس الوزراء مشروع موازنة العام 2022، بعد العودة المشروطة للمجلس من جانب الثنائي المذهبي «حزب الله» و«أمل». بدا لبنان أمام موازنة أكثر سواداً من فسادهم، غاب عنها أي منحى للحماية الاجتماعية والصحية، وميزتها الضرائب غير المباشرة ما أراح الأثرياء وتوجت بصفر ضريبة على الأملاك البحرية، واستبعد الإصلاح، وقدمت الحماية لقطاع مصرفي ناهب. وأريد منها إحياء نظام اقتصادي أورث الكوارث وغير قابل للحياة، وخلت من الاعترافٍ بالواقع الناجم عن السياسات التي فجرت ثورة تشرين، مع إصرار على نهج فاقم الانهيارات وامتنع عن أي خطوة لفرملتها.
تمثل الأمر الأخطر في طلب صلاحيات استثنائية لوزير المال مدة سنتين خلافاً للدستور وتفويضه بأن «يحدد سعر تحويل العملات الأجنبية لغاية فرض واستيفاء الضرائب والرسوم وإصدار آلية التطبيق بقرار عنه». إنها صلاحيات تضع بين يديه تحديد سعر الصرف، والدولار الجمركي والضرائب والرسوم «وفق السعر الذي يراه مناسباً»! وبعبارة أخرى حمل مشروع طلب الصلاحيات ما يعود حصراً للسلطة التشريعية، لأن المادة 82 من الدستور نصت على أنه «لا يجوز تعديل ضريبة أو إلغاؤها إلا بقانون»! والسؤال الذي يطرحه هذا الطلب أين ستصبح المالية العامة ومصالح البلد والناس إذا حدث فراغ رئاسي كنتيجة لمناورات وممارسة خادعة بشأن التزام موعد الانتخابات فيما يتقدم منحى التمديد للبرلمان!
على مدى 30 سنة في رئاسة للبرلمان رفض نبيه بري منح الحكومات أي صلاحيات استثنائية، ودوماً رد الأمر: «المجلس سيد نفسه»، لكن ووزير المال من حصة بري، فمن المستحيل بمكان أن يتضمن مشروع الموازنة طلب مثل هذه الصلاحيات بدون معرفته، لذا الأكيد أن هذه الخطوة تندرج في سياق الإعداد لفراغ طالما استثمر به الثنائي الطائفي، وتحديداً «حزب الله»، لإملاء شروطه على البلد، وهذه المرة بجعل صلاحية التوقيع الثالث للوزير تتقدم صلاحية رئيس الوزراء!
في هذا التوقيت تقدمت مبادرة كويتية خليجية لإعادة علاقات الثقة، حظيت بغطاء عربي وتفهم دولي. وسيكون على بيروت أن تقدم بعد غد جوابها خطياً في الكويت التي تستضيف اجتماع وزراء الخارجية العرب. انطلقت المبادرة بنقاطها الـ10 من الدستور والقرارات الحكومية والشرعية الدولية، وهي ما عطله «حزب الله» خصوصاً بعدما حاز أوسع غطاء مسيحي – سني إثر التسوية المشينة في عام 2016!
كان متوقعاً أن تسارع أوساط «الحزب» للقول: «كل بند منها يشكل عنوان اشتباك داخلي»، لكن الخطورة في موقف القصر مع إبداء التحفظ على البند المتعلق بالقرار 1559 بتكرار القول إن السلاح «ليس محلياً يخص لبنان وحده بل هو مسألة إقليمية ودولية وعلى العرب والعالم تفهم هذا الأمر»! ومع العبارة المفتاح «سندرس المطالب»، تُطرح علامات استفهام، عن هذا التساكن بين أهل السلطة وجعل لبنان منصة تحريض وشحن المخدرات، إلى تغطية المشاركة الميليشياوية في الاعتداء على دول الخليج من اليمن! إنه الاستسهال في التخلي عن إشهار سلاح الموقف، وتالياً ألا يطرح على جدول أعمال المافيا المتسلطة، خطورة وجود ميليشيا تفتح الحروب في الإقليم وعلى مسافة تبعد ألفي ميل عن لبنان، وتتمركز في بلدان أخرى وكالة عن حكام طهران، لتنفيذ أجندتهم العدوانية التي تستهدف المنطقة وأولها عزل لبنان ومحاصرة شعبه.
تدعم المبادرة التي حملها وزير الخارجية الكويتي الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح مطالب أكثرية وازنة تريد استعادة الدولة المخطوفة بالسلاح، وتحث على استعادة الدستور لكسر منحى «القضم» استناداً إلى التعسف، أو «التعطيل» للشرذمة وتغييب القرار وتجويف المؤسسات، أو عبر بدعة «التوقيع الثالث» لوزير المالية الذي يطلبون له صلاحيات استثنائية، على حساب صلاحيات رئيس الوزراء! هنا نذكر أنه سبق الفضل من جانب سعد الحريري، إعلانه خطوة متصادمة مع الدستور بـ«وهب» موقع وزير المالية للثنائي الطائفي، كتنازل على طريق تأليفٍ ممنوع للحكومة، قبل أن يدفع ثمن ممارساته فيعلن منذ أيام تعليق مشاركته وفريقه في الحياة السياسية!
تمنح المبادرة الخليجية لبنان مكانة برفضها تحوله إلى بلدٍ هامشي، حكوماته كاريكاتور سلطات شمولية وبرلمانه افتراضياً. وخلافاً لانطباعات متسرعة، لا تدير دول الخليج ظهرها للبنان، بل تقول إنه بمعزل عن فيينا واستعدادات البدء بتفاوض مباشر، فإن هيمنة طهران متأتية من مخططات إفشال بعض دولنا والتحكم بها عبر سلطات التغول الموازي. لم يعد الهلال الفارسي في حالة صعود، والتحول أكيد في الحرب اليمنية، وميليشيات «فيلق القدس» أُبعدت عن مرفأ اللاذقية وبدأ إخراجها من مطار دمشق، إلى التطور العراقي الكبير، فإن الرسالة تقول بأن دول الخليج لن تسلم تلقائياً بالهيمنة الإيرانية، وبات ضرورياً الكف عن استسهال الحديث عن مقايضات لتغطية جهات فقدت أهليتها الوطنية. وهنا يكمن الدعم غير المباشر للبنانيين الذين صنعوا ثورة نوعية عبرت الطوائف والمناطق، تحمل هم استعادة الدولة والدستور وإعادة تكوين السلطة، وعجز التحالف المافيوي عن احتوائها وضربها. والأكيد أن شمول الانهيار للجغرافيا اللبنانية سيسهم بتعطيل رهانات فرض الفراغ للاستثمار في التعطيل ما يعيد رسم لبنان الآخر ويعزز تجدد البدايات!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان ألغام «التعطيل» و«القضم» ممكن إبطالها لبنان ألغام «التعطيل» و«القضم» ممكن إبطالها



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon