توقيت القاهرة المحلي 10:03:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن أبعاد الاستهداف المتكرر لثورة تشرين!

  مصر اليوم -

عن أبعاد الاستهداف المتكرر لثورة تشرين

بقلم:حنا صالح

للمرة الثانية خلال أسابيع يستهدف حسن نصرالله ثورة «17 تشرين» 2019. في الأولى ألصق التهم بالثورة ووصفها بأبشع النعوت، وكان التباهي بأن «حزب الله» مارس القمع ضدها، ليعود في الخطاب الأخير (الخميس 16 الحالي) لاستعادة خطب قديمة عن العمالة للسفارات، فأعلن أن «لبنان دخل منذ العام 2019 في استهدافٍ جديد من أجلِ إعادته إلى السيطرة الأميركية»! ببساطة يتهم الملايين الذين غطوا ساحات المدن والبلدات ودنيا الاغتراب، بأنهم أدوات في خدمة الأميركيين! ويعتبر أن كسر اللبنانيين للصمت يندرج في «مخطط فوضى»، فيهدد بالرد بحرب ضد إسرائيل، فهل ستملأ شماعة التهويل بالحرب البطون الخاوية؟!
إنها لغة الإنكار والتعاطي الفوقي مع اللبنانيين، لتغطية انعدام القدرة على تغيير المسار، والسعي لحرف الأنظار عن مكمن الوجع! هي لغة لم تفاجئ التشرينيين الذين قالوها بالفم الملآن: سنستعيد حقوقنا من الطبقة السياسية المتسلطة التي أسلست قيادها لـ«الحزب» منذ التسوية الرئاسية في العام 2016، وأكدوا على الدوام أن الحساب آتٍ، ورفعوا الشعار الأثير «كلن يعني كلن» وراء المآسي التي دمرت حياة اللبنانيين، وأوصلت لبنان إلى الجحيم، الأمر الذي أصاب كل الطبقة السياسية، وبالأخص المتسلطون من بينها، بالذعر!
والأكيد أن نصرالله سيعود مستقبلاً لاستهداف التشرينيين وثورتهم، فهم فرضوا واقعاً مغايراً لما كان سائداً قبل الانتخابات العامة 2022، عندما نجح التصويت العقابي بوجه كل الطبقة السياسية، في حرمان «حزب الله» الأكثرية التي كانت له في برلمان العام 2018، ومنعوا «خصومه» من الحصول على الأغلبية. وتبعاً لذلك فرض الواقع المستجد على «حزب الله» الانتقال من موقع الإملاء والفرض إلى موقع المعطل، المسبب بالشغور المديد في رئاسة الجمهورية، فيتكرر من جلسة إلى الأخرى المشهد السمج، بتعطيل العملية الديمقراطية بالانسحاب من جلسة الانتخاب الرئاسية فور الاقتراع في الدور الأول!
دوماً ترفع الأسئلة من جانب فئات واسعة: ماذا فعلت ثورة تشرين؟ وماذا حققت؟ وها هي كرة الانهيارات تندفع دون كوابح مع الانهيار الدراماتيكي في قيمة الليرة، والصعود المريع في أسعار المحروقات وكل السلع، مع تحليق سعر صرف الدولار الذي تجاوز عتبة الـ80 ألفاً منذ أيام، ولا سقف للارتفاع الحاد في سعره. الأمر الأكيد أن الثورة لم تنجح بعدُ في تحقيق أهدافها بإنهاء الخلل الوطني في ميزان القوى، وفي خلق «الكتلة التاريخية» العابرة للمناطق والطوائف القادرة على فرض تأليف حكومة مستقلة من الكفاءات التي يذخر بها البلد، تعيد تكوين السلطة على قاعدة استعادة العمل بالدستور والتزام القوانين، لتنهض المؤسسات وتحمي السلطة الجديدة رغيف الناس ودواءهم فتطوى حقبة إذلال أكثرية اللبنانيين... لكن الثورة أظهرت لكل عاقلٍ أن «فائض القوة» لدى «حزب الله» لم ولن يمنحه فائض الدور. نعم نفوذه متقدم مع «تذكير» اللبنانيين دوماً بمائة ألف عنصر في الميليشيا معطوفة على أكثر من مائة ألف صاروخ، لكن كل ذلك لا يعني غلبة مطلقة ولا أرجحية تمكنه من الفرض والإملاء على البلد، وهذا هو الجديد المزعج لنصرالله!
الثورة لم تنجح بعد في تحقيق أهدافها، لكنها حددت بكثير من الدقة المسؤوليات على المنظومة السياسية المصرفية التي يقودها «حزب الله»، مشددة على أن الحساب ممر إلزامي لاستعادة الدولة المخطوفة، وإخراج البلد من الهوة التي دُفِعَ إليها. وبات القاصي والداني مدركاً حجم مسؤولية القوى التي تسلطت على البلد منذ بداية تسعينات القرن الماضي يوم ابتدعوا «قانون العفو عن جرائم الحرب»، وتمترسوا خلف «الحصانات» و«قانون الإفلات من العقاب»! ولأن المنظومة السياسية التي يقودها «الحزب» تمتلك مفاصل قرار البلد، لم يكن بالإمكان تحويل الاتهام السياسي للمنظومة إلى إجراءات مساءلة ومحاسبة وإرسال المرتكبين إلى السجون، لذلك شهد لبنان أقسى خطوات استتباع القضاء، واستخدام السلطة، لحرمان اللبنانيين من أبسط حقوقهم، مثل الادعاء على ناهبي الودائع، وعلى كارتلات الاحتكار التي أذلّت المواطنين!
تظهير الصورة كاملة بات أمراً مطلوباً، لضرورة بلورة المنحى الذي يمكن معه استعادة الدولة وقرارها المستقل؛ لأن تعطيل القضايا الوطنية والضرب بها عرض الحائط كما فرض حصار عوزٍ وجوع على اللبنانيين، الذين تحولوا إلى رهائن لكارتلات المصارف والدواء والمحروقات وسواها، ما كان ممكناً لولا معاودة نسبة كبيرة من اللبنانيين الاقتراع إلى كبار الفاسدين والمرتكبين. هذا على الرغم من أن الناس بالمبدأ «تعرف بعضها»، ويعرف المواطن عن ظهر قلب، القوى التي سببت تفاقم أوضاعه المعيشية والاجتماعية...
إنه الخلل الوطني الكبير الذي مكّن المتسلطين من رفع الإصبع بوجه المواطنين، فيكشف مثلاً وزير المال يوسف خليل، وهو أحد وزراء «الثنائي المذهبي»، عن «خطة لتمديد فترات جميع موظفي الخدمة العامة من المستوى الأول، وهذا يشمل رياض سلامة»! نعم، يريدون التمديد لسلامة الملاحق دولياً بتهم الفساد، وما لم يقله وزير المال هو تجدد مساعي «الثنائي المذهبي» لتأمين نصاب جلسة تشريع تمدد لأركان «الدولة العميقة»، في تخلٍّ عن «ورقة التوت» حمايةً للسارقين ومحاصرةً للمسروقين، وتحصين المدعى عليهم بالجناية في جريمة تفجير المرفأ، مع إصرارٍ فجّ على حجب الحقيقة ومصادرة العدالة!
الحملة الجديدة القديمة التي تستهدف ثورة تشرين ستتواصل؛ نظراً لما كرسته الثورة من رؤية أولية بديلة لما هو قائم، فيُراد من التجني تغطية ما آل إليه تسلط «حزب الله» وقيادته لنظام المحاصصة الطائفي الغنائمي. إنه تسلط بدأ مع مؤتمر الدوحة في العام 2008 واستكمل مع حكومة «القمصان السود» في العام 2011، التي جيءَ بميقاتي إلى رئاستها، واستمر مع كل الحكومات حتى حكومة تصريف الأعمال الحالية، وفي ظلِّ هذه التركيبة، ليس بالأمر المستغرب أن يسقط الأربعاء الماضي، 3 ضحايا من الجيش اللبناني في اشتباك مع مافيا تجار المخدرات في البقاع، الذين يتنقلون بحرّية عبر مناطق الجرود الحدودية مع سوريا!
الحصيلة ثقيلة لهذا التسلط الذي من بين أبرز معالمه، تغول الدويلة على الدولة، وتضخم «الاقتصاد الموازي» نسبة إلى الاقتصاد الوطني، وتحول البلد إلى منصة للتهريب وتبييض الأموال، والمضي بالنهب الذي أفلس الدولة وطال ودائع للمواطنين تفوق الـ100 مليار دولار... إلى استتباع القضاء والانتهاك اليومي للقانون، والذهاب بعيداً في تجويف المؤسسات لتسهيل عملية استكمال الاقتلاع وإلحاق البلد بإمبراطورية الملالي، من خلال «فيلق القدس» الذي طالما تباهى قادته بأن بيروت من العواصم العربية التي يسيطرون عليها!
لا يملك أصحاب شعار «كلن يعني كلن» إلا الإصرار على تأكيد أهمية قيم النزاهة والمواطنة، والعمل لابتداع الأساليب الكفاحية التي تصلب دور المواطن، كلاعب سياسي أسقط مقولة «شو طالع بإيدنا»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن أبعاد الاستهداف المتكرر لثورة تشرين عن أبعاد الاستهداف المتكرر لثورة تشرين



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon