توقيت القاهرة المحلي 06:13:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القضاء رجل العام في لبنان!

  مصر اليوم -

القضاء رجل العام في لبنان

بقلم: حنا صالح

عندما تسلم القاضي طارق البيطار، في فبراير (شباط) 2021 التحقيق في جريمة تفجير المرفأ وبيروت، نُقل عنه قوله إن «العدالة في مثل هذا الملف لا يمكن أن تتم إلا مع إدانة سلطة سياسية وكبار المسؤولين والأمنيين». ونُقل عنه: «سأذهب إلى حيث يقودني القانون والحق، لن يوقفني شيء... لن أترك التحقيق ينحرف». في هذا الوقت توقع الذين أبعدوا المحقق العدلي فادي صوان بتهمة «الارتياب المشروع»، بأن المحقق العدلي الجديد فهم الدرس! بعدما ضخموا أقوال صوان من أن الحصانات تسقط أمام حصانة الدم، واتهموه بتجاوز الدستور!
جرت العادة أن الجرائم الكبرى منذ مقتل النائب معروف سعد في 1975 تُقيد ضد مجهول! لم يتبدل شيء للممسكين بالقرار، رغم أن جريمة تفجير المرفأ صنفت بالجريمة الإرهابية وبجريمة حرب. لذلك بعد ضخٍ إعلامي وترويج عنوانه «القضاء والقدر» بادر الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله إلى دعوة قاضي التحقيق السابق بأن يعلن نتائج التحقيق الأمني، «واتركوا الناس ممن لديهم تأمين ليقبضوا التعويضات عن الأضرار»!
ارتبط الموقف برسالة وجهها صوان إلى البرلمان حملت ارتياباً بـ23 مسؤولاً سياسياً وأمنياً تعاقبوا على المسؤولية منذ العام 2014 تاريخ تخزين شحنة الموت! والأكيد أن الأمين العام لـ«حزب الله» الذي انفرد بإعلان الموقف، شاركه فيه جهات أخرى بينها رئيس الجمهورية، الذي وعد بإعلان التحقيق خلال 5 أيام! وكان المقصود التحقيق الأولي الذي رسا ضمناً بأن «أبو عدس» تفجير المرفأ هو «الإهمال» وعملية «تلحيم»!
وجد المحقق العدلي البيطار ملفاً كبيراً، وهو المعروف بالدقة والنزاهة كما الشجاعة. اهتم بالأقوال والممارسات، وتتبع التقارير والمراسلات الداخلية. لا شك أنه توقف عند أول تقرير عن القضية وضعه العقيد الجمركي جوزيف سكاف في مارس (آذار) 2014 وهو يحذر من الخطر، ليقتل في العام 2017 في ظرفٍ «غامض» بعد تقاعده! كما لفته مقتل العقيد المتقاعد منير أبو رجيلي في ديسمبر (كانون الأول) 2020 بعد أيام من إدلائه بإفادته، وبعده كان مقتل المصور جو بجاني في يناير (كانون الثاني) 2021 بعدما تردد أن بحوزته ملفاً للمرفأ!
استراتيجية البيطار قادته إلى الادعاء على كل من تسلم تقريراً أمنياً خطياً يبرز المخاطر على العاصمة وأنها يمكن أن تزول، وامتنع عن تحمل مسؤولية حماية الأرواح. أثار ذلك حفيظة منظومة الحكم للتجرؤ بالادعاء على رئيس الحكومة حسان دياب والوزراء نهاد المشنوق وعلي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس إلى قائد أمن الدولة اللواء طوني صليبا، ومدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم!
لم يطلب القضاء هذه الشخصيات كشهود للاستماع إليهم، بل ادعى عليهم بجناية «القصد الاحتمالي» بالقتل، وجنحة الإهمال. و«القصد الاحتمالي» عالجته المادة 189 من قانون العقوبات، عندما قالت إنه على المسؤول المعني إذا توقع جريمة قد تنشأ عن هذا الفعل، فقبل بالمخاطرة وتعامى عنها، وأغفل مسؤوليته مما أدى إلى النتيجة الجرمية، ففي ذلك قتل «قصدي»، أدى إلى سقوط 224 ضحية ونحو 7 آلاف جريح. والسؤال الحقيقي المطروح مَن هي هذه السلطة العليا التي دفعت كل الطبقة السياسية والقيادات العسكرية والأمنية إلى التعامي وقبول المخاطرة؟ وهل صحيح أنه سُرب للبعض أن هذه الشحنة هي لزوم براميل الموت لقتل السوريين، فتعاملوا مع الأمر أن السوريين شعب زائد (...) وفوجئوا بأن الكمية المتبقية تفجرت باللبنانيين ولولا مبنى الإهراءات لكان القتل مضاعفاً!
وانفجر بركان الغضب! اجتمع ضد المحقق العدلي كل التركيبة المتحكمة باللبنانيين بقيادة «حزب الله»، فأطلقوا التهم واستهدفوا شخص القاضي، والزعم أنه يعمل بـ«استنسابية»! باتوا جميعاً مراجع في القانون وراحوا يحددون كيف يجب أن يحقق ومن ينبغي أن يُستجوب! وألصقوا به تهمة العمل بتوجيهات «السفارة الأميركية» لتنفيذ مخطط اتهام الطبقة السياسية بجريمة تفجير بيروت، ما يشجع التصويت العقابي لقلب منظومة الحكم! لكن في الحقيقة أرعبهم كابوس التحقيق العدلي، فادعوا التمسك شكلاً بالدستور وهم أول من طعنه وانقلب عليه، ويسعون الآن إلى تلمس غطاء شرعي للهرب من الحقيقة والعدالة.
منذ يوليو (تموز) بدأت الحملة رداً على طلب رفع الحصانات. عجزوا عن إيجاد أي خطأ أو ثغرة فنسبوا إلى البيطار الكثير، وروّجوا حكايات وفبركوا اتصالات، فتجاهل الأبواق وسياسيي الصدفة، ليكتفي بكلمة واحدة رداً على تهديد وفيق صفا المسؤول الأمني في «حزب الله» بـ«قبعه» فقال: «بيمون». لكنه التزم القانون والقناعة بالدفاع عن الضحايا والمدينة المكلومة وتطبيق العدالة. فاشتدت الحرب ضده، والقرار المعلن منعه من تطبيق قانون هم من دبجه، فهالهم أن يأتي زمن ويتجرأ قاضٍ على من وضعوا أنفسهم فوق القانون!
نشطت الغرف السوداء فأُقيمت 18 دعوى «رد» المحقق أو «كف يده» و«مخاصمة الدولة»، سقطت كلها لأنها لم تستند إلى أسس قانونية وجرى تقديمها بهدف المماطلة، لأن كل دعوى استتبعت بوقف التحقيق حتى البت فيها. بدت الدعاوى إصراراً على إهانة أهل الضحايا الذين ينتظرون كلمة القضاء، وفجوراً من جانب سياسيين وقانونيين «يعملون ع القطعة»، استخفوا بسقوط 224 ضحية ونحو7 آلاف جريح وضياع جنى عمر عشرات ألوف الأسر!
في 11 أكتوبر (تشرين الأول) طالب نصر الله بـ«قبع» البيطار بواسطة مجلس القضاء الأعلى أو مجلس الوزراء. وفي اليوم التالي حوّل «حزب الله» الحكومة إلى جثة ممنوع أن تجتمع كمجلس وزراء وممنوع دفنها، حتى تنفذ إرادة «حامل الأختام» فلم ينجح! وتسبب محاكاة الحرب الأهلية في جريمة الطيونة يوم 14 نوفمبر (تشرين الثاني) في سقوط 8 ضحايا وعشرات الجرحى في عراضة حزبية أرادت تحميل البيطار المسؤولية، فدفع الناس الثمن ولم تتحقق الأهداف! فبدأ استهداف القضاء الذي يشهد انتفاضة لم يعرفها منذ عقود، شكلت مع رئيسه الدرع الواقية لمسار العدالة. والأهم أنها انتفاضة وجهت رسالة أمل بأن استقلالية السلطة القضائية ستُفرض بالممارسة، ولن يتأخر زمن بدء القضاء محاسبة الناهبين المسؤولين عن إذلال اللبنانيين وتجويعهم!
عميقٌ الانقسام حول قضية العدالة للضحايا ولبيروت والانتهاء من زمن الإفلات من العقاب، وكبيرٌ الرهان على القضاء للنهوض؛ المواطنون في جهة والمنظومة في الأخرى. يوم 21 ديسمبر (كانون الأول) شهد سقوط مقايضة طعن السلطة القضائية والعدالة والحقيقة بطعن حق المغتربين بالاقتراع، ما عكس قوة الأثر الذي تركته ثورة «17 تشرين»، وحجم بقعة الضوء الآخذة في الانتشار رغم العوز. صحيح ما زالوا على كراسيهم لكن مناخ تشرين لم يخمد، وتبرز صلابة مواطنين وهم يرفضون الرضوخ للابتزاز، ويوحدهم هَم استعادة الدولة المخطوفة، وهم حراس مسار العدالة، النهر المتدفق الرافض الارتهان والتطويع رغم الصعوبات والعراقيل... في كل هذا المنحى استحق القضاء عن جدارة والقاضي البيطار أبرز رموزه تسمية رجل العام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القضاء رجل العام في لبنان القضاء رجل العام في لبنان



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 08:32 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريس "قلق جدا" لوجود قوات كورية شمالية في روسيا
  مصر اليوم - غوتيريس قلق جدا لوجود قوات كورية شمالية في روسيا

GMT 05:30 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات
  مصر اليوم - لبنان يطالب بتطبيق القرار 1701 بحرفيته دون إضافات أو تفسيرات

GMT 17:24 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم
  مصر اليوم - دراسة حديثة تكشف صلة محتملة بين الاكتئاب وارتفاع حرارة الجسم

GMT 04:39 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك
  مصر اليوم - جيش منظم على الإنترنت ضد تزوير الانتخابات يدعمه إيلون ماسك

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة

GMT 13:06 2021 الثلاثاء ,08 حزيران / يونيو

أنشيلوتي يحسم موققه من ضم محمد صلاح إلى ريال مدريد

GMT 09:11 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحمل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon