توقيت القاهرة المحلي 11:25:19 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عندما تحاصر «عدالة حزب الله» العدالة!

  مصر اليوم -

عندما تحاصر «عدالة حزب الله» العدالة

بقلم: حنا صالح

ماذا فعل القاضي طارق البيطار، ليتم تخوينه وتولي أبواق نكرة تحقيره وشتمه؟ ولماذا إطلاق المزاعم عن ارتباطه بسفارات بعد التشكيك في قدراته المهنية والقانونية، مع أن قضاة كُثراً يتندرون بأن ما من جهة خارجية نفذت الاستنابات القضائية التي أرسلت إلى كثير من العواصم، فأوحت الردود أن الأقمار الصناعية قاطبة كانت تضع «برقعاً» لحظة ارتكاب جريمة الحرب ضد بيروت، والصور المتوفرة تغطي قبل التفجير وبعده!
ولماذا ترويج المزاعم أن ما أنجزه التحقيق العدلي في جريمة تفجير المرفأ وتدمير قلب بيروت، يأخذ البلد إلى الفتنة! وأن بيت القصيد في التحقيقات التي يجريها تندرج في سياق استهداف «حزب الله»، ليتهم أيضاً وعلى لسان حسن نصر الله بأنه «ديكتاتور»! وكيف أصبح إطلاق التهم ضده بـ«التسييس» و«الاستنسابية» نهجاً يجمع سياسيين متعارضين بالشكل، يهرعون لتقديم أوراق الاعتماد والمبايعة إلى صاحب الـ100 ألف رجل مدرب ومسلح وجاهز «لمنع الحرب الأهلية»!
لم يحدث في أي مرحلة سابقة، أن تستهدف المنظومة المافياوية، محققاً عدلياً بمثل ما يتعرض له اليوم القاضي طارق البيطار؛ إذ بلغ الاستهداف حد زج الشارع في قضية قضائية، وصولاً إلى طرح مقايضة خطرة، ألا وهي، هل تريدون استمرار البيطار في قضية المرفأ، أم تجنب الفتنة والحرب الأهلية؟ ولا يتركون للناس والبلد من خيار آخر، إلا وضعهم بين سندان تمييع التحقيق ومطرقة ارتكاب المزيد من الجرائم!
على مدى عقود لم يسبق أن أي واحدة من الجرائم الكبرى التي ضربت لبنان وقُيّدت ضد مجهول، أن أثارت اهتمام الأوساط الشعبية كما اليوم. ليتجاوز أهل الضحايا، وهم أولياء الدم، وألوف الجرحى، وعشرات ألوف العائلات المتضررة، إلى المواطنين في كل لبنان، وجدوا أن شجاعة قاضي التحقيق، وجرأته بوجه قوى الارتكاب، أحدثت صدمة إيجابية في الجسم القضائي ما منح الناس الأمل بأن زمن الإفلات من العقاب يمكن أن يتوقف، وزمن تباهي الطبقة السياسية بأنها فوق الحساب قاب قوسين أو أدنى من طي صفحته، وإعلان الرئيس نبيه بري يوماً أن «الضعيف وحده ينتظر حكم القضاء» قول يعود إلى زمن آخر!
والحقيقة كذلك، أنه في أي بلدٍ طبيعي تحت الشمس، كان استهداف القاضي يشكل جرماً جزائياً، ولا سيما لو كان بوضع ومسؤولية القاضي البيطار. الأكيد أن الاستهداف كان سيؤدي إلى تداعيات سلبية على الجهة السياسية المرتكبة هذا الجرم الفظيع. لكن نحن في لبنان، الدولة مخطوفة ومرتهنة بإرادة سياسييها النافذين، وكل الارتكابات مباحة، والسؤال ممنوع فكيف الحساب؟
منذ قانون العفو عن جرائم الحرب في العام 1991، الذي أسس لنظام المحاصصة الطائفي، بعد انتقال زعماء الميليشيات المتحالفين مع ميليشيات المال، من المتاريس إلى مقاعد الحكم، تم استتباع المؤسسات وتم القبض على البرلمان ومصادرة التمثيل الحقيقي للناس. جرى ابتداع أشكال من الحمايات والحصانات، فلم يُساءل مسؤول في أي يوم، ولم تُطرح ثقة بحكومة، ولم يُقَل مرتكب ولم يتم العثور على فاسد! كان القضاء تحت القبضة الغليظة للسياسيين، الذين احتجزوه وتحاصصوا التعيينات، وقضاة كُثر انخرطوا بقوة مع هذه المنظومة ونالوا المكافآت، والمثال وجود 3 قضاة في الحكومة الحالية، تم حفظ حقهم بالعودة إلى القضاء بعد انتهاء مهمتهم الوزارية، رغم ما يحمله ذلك من انتهاك لمبدأ فصل السلطات، خصوصاً أنه تمت تسميتهم في الحكومة كممثلين لجهات نافذة، فأي أحكام ستصدر عن المحاكم التي سيترأسون في المستقبل؟
إن التدخل السياسي في الشأن القضائي هو القاعدة رغم اعتراف بعضهم، عند الاضطرار، أنه أمر شاذ. في العام 1995 قال وليد جنبلاط «إن القاضي هو موظف عند السلطة السياسية، إن القضاء يتعرض لضغوطٍ سياسية، أنا سياسي وأمارسها، والسياسي الذي يقول غير ذلك يكون كاذباً». وقال رفيق الحريري في العام 2003 «هل هناك تدخل سياسي في القضاء؟ هناك إجماع بين الناس أن هناك تدخلاً سياسياً. بالطبع أنا أقول ذلك. وهذا الأمر لا يجوز أن يستمر». وفي العام 2018 سجّل الرئيس عون سابقة مصادرة التشكيلات القضائية، لأنها لم ترُق له، وامتنع عنوة عن إصدارها رغم أنه ليس جهة قرار بالموضوع!
وسط الانهيارات التي ضربت البلد، والسطو على الودائع، تم توجيه القضاء بالتحفظ على الشكاوى المقدمة من المودعين! وإذا بمئات الشكاوى مصيرها الحفظ، وأمعن الكارتل المصرفي بإذلال الناس. هم يعتبرون ذلك طبيعياً فالقضاء وفق رأيهم وُجِدَ لخدمة المتحكمين وتغطية ارتكاباتهم! وفاتتهم مسألة محورية؛ أن زمن ما بعد «17 تشرين» مغاير لكل ما سبقه! حدث المنعطف الكبير وخرج الناس من الانقسامات التقليدية، وتمظهر الصراع في البلد بين كثرة ساحقة من المواطنين في مواجهة تحكم ائتلاف «العائلات» الطائفية. وأظهر اجتماع اللبنانيين الذين كسروا «التابوهات»، أن بوسعهم الدفاع عن مصالحهم وحقوقهم، رغم أنهم لم ينجحوا بعد في استعادة الدولة وتحرير المؤسسات، لكن الإثبات بيّنٌ من أن التغيير ممكنٌ وآتٍ ولن يتأخر!
بدت منظومة الحكم مرتاحة إلى حالة مراوحة الثورة، وتراجع شارع منهك تحت ضربات الإفقار والتجويع؛ لذلك هالها وجود قضاة تمردوا على الاستتباع! بدا الساسة كآل البوربون «لم يتعلموا شيئاً ولم ينسوا شيئاً»، رفضوا أن ينتصر القاضي لحق المظلوم، وألا يهاب «الأقوياء» الساعين لمعاقبته بـ«القبع» كما هدد وفيق صفا المسؤول الأمني في «حزب الله»! وتلاه توجه نصر الله إلى مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للقضاء بطلب تنحيته! ورغم «اللعم» في حديث ميقاتي قال «على القضاء أن يصلح نفسه بنفسه»، في حين تبنى جنبلاط مقولات «التسييس» والاستنسابية»، وطالب فؤاد السنيورة «بحلٍ يرضي جميع الأطراف»! وليل الاثنين قال نصر الله «الوقت انتهى شوفوا شو بدكم تعملوا لأن استمرار البيطار لا يخدم البلد ولا الاستقرار»! وواضح لدى «حزب الله» حجم الهوة بين العدالة و«عدالته الثورية»!
ما زال البيطار في موقعه، وما زالت الألاعيب لتقييده ومنها ابتداع لجنة تحقيق نيابية تملك فيتو لإطاحته، وقد أدار الظهر للترهيب والتهديد، وتأسيساً على موقفه، بدأت العدلية بالعودة إلى الحياة والتأكيد أن العدالة ضمانة السلم وحقوق الجميع.
لكن الذين صعدوا إلى شجرة عالية، مشترطين إبعاد البيطار قبل النزول، فاقموا تعطيل البلد وشرشحة حكومتهم، وهم يريدونها لتعويض الغطاء السياسي العوني الممزق، ولأنها تفتح باب وصول مساعدات دولية تخفف وطأة وضع لا يمكنهم التهرب من المسؤولية عنه! يصعدون ويحرضون طائفياً لأنهم يعرفون ماذا يعني مثول أي كان من السياسيين أمام المحكمة، ويخافون الأبعاد التي ستنجم عن كشف المتسببين في تدمير ثلث بيروت، ويعرفون حجم مسؤوليتهم وأن سقوط الحصانات سيطالهم جميعاً: منظومة سياسية وحزبها الحاكم! وبالتالي ستستمر فصول الصراع الراهن وسيبقى الاستقرار مؤجلاً!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما تحاصر «عدالة حزب الله» العدالة عندما تحاصر «عدالة حزب الله» العدالة



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:09 2024 الإثنين ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه
  مصر اليوم - بانكوك وجهة سياحية أوروبية تجمع بين الثقافة والترفيه

GMT 10:57 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى
  مصر اليوم - درّة تكشف تفاصيل دخولها لعالم الإخراج للمرة الأولى

GMT 04:39 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

جيش منظم على الإنترنت ضد "تزوير الانتخابات" يدعمه إيلون ماسك
  مصر اليوم - جيش منظم على الإنترنت ضد تزوير الانتخابات يدعمه إيلون ماسك

GMT 09:38 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الحوت

GMT 00:05 2023 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الأهلي يستقر على التجديد لعمرو السولية

GMT 07:13 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

جزء ثانٍ من فيلم «موسى» في صيف 2022 قيد الدراسة

GMT 13:06 2021 الثلاثاء ,08 حزيران / يونيو

أنشيلوتي يحسم موققه من ضم محمد صلاح إلى ريال مدريد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon