بقلم - حنا صالح
ليست انتخابات برلمان 2022 إعادة لانتخابات عام 2018 ولا أي انتخابات سابقة. وعندما يدور الحديث عن انهيار وعوز ومجاعة وموت أمام المستشفيات فهناك مسبب وفاعل، هو تحالف المافيا والميليشيا الذي نهب وأفقر واختطف الدولة بعد السطو على مقدرات البلد.
انهارت قيمة الليرة وتبخرت قيمتها الشرائية مع ارتفاع صرف الدولار من 1500 ليرة إلى 33 ألفاً، وربطة الخبز من 1500 ليرة إلى 11 ألفاً، وصفيحة البنزين من نحو 20 ألف ليرة إلى 500 ألف ومثلها المازوت والغاز المنزلي. وبات مرضى السرطان يُقتلون في منازلهم نتيجة فقدان الدواء، ومؤخراً قتل سجناء تعذر علاجهم. وتم السطو على 80 مليار دولار من الودائع فتحول مليونا مواطن من البحبوحة إلى التسول. وبعد هدر 48 مليار دولار على الكهرباء أُغرق البلد في العتمة الشاملة. ومع إفقار 82 في المائة من اللبنانيين أصبح لبنان رصيف هجرة للكفاءات. وباتت السواحل اللبنانية منطلقاً لـ«قوارب الموت» هرباً من الجحيم.
لقد سبق للرئيس فؤاد السنيورة أن قال «إن الفساد مشرع بالقانون»، ولطالما حفلت موازنات الحكومات بالصفقات والهدر على مشاريع لم تقدم شيئاً للناس مثل السدود التي لا تجمع الماء، وصفقات بواخر الكهرباء لمنع بناء المعامل فبصمت عليها المجالس النيابية. والكل يعلم أنه من 12 سنة، دخل لبنان مرحلة العجز في ميزان المدفوعات، فراحوا يمولون الصفقات من أموال المودعين، وفق ألاعيب يتولاها حاكم المركزي مع كارتل مصرفي تبين أنه زمرة مرابين دمروا صناعة مصرفية عمرها أكثر من 100 عام.
واليوم فإن مجرد إلقاء نظرة على أسماء أكثر مرشحي المنظومة المتسلطة على البلد التي يقودها «حزب الله»، وتجمعه مع تيار رئيس الجمهورية وحركة «أمل»، إلى بقية الكومبارس المحسوب على النظام السوري، يلمس المواطن مدى عمق الكراهية التي يحملها أركان هذه المنظومة لأكثرية الشعب اللبناني. وعموماً فإن الآخرين وإن بتفاوت نسبي ليسوا «فوق الغربال».
لقد أعاد «حزب الله» ترشيح نوابه أعضاء برلمان عام 2018 «لأن إنتاجيتهم جيدة» وفق نصر الله. فيما البرنامج الانتخابي للرئيس بري رئيس البرلمان منذ 30 سنة، يقوم على ثلاثة محاور؛ الأول «عدم المس بحقوق المودعين»، وهو الذي منع تشريع «كابيتال كونترول» لمنع تهريب الأموال، فرشح المصرفي خير الدين المتهم بمصادرة مليارات الدولارات للمواطنين، ويروّج لـ«الليلرة»، أي تحويل الودائع قسراً إلى ليرات بحيث يتحمل المودعون عبء المنهبة! والثاني «استكمال التحقيق بتفجير المرفأ» فأعاد ترشيح النائبين زعيتر وخليل، وكلاهما فار من العدالة، ومدعى عليه بجناية «القصد الاحتمالي» بالقتل في جريمة المرفأ، ويتقدم بري صفوف المتمسكين بالحصانات ويقاتل دفاعاً عن «نظام الإفلات من العقاب»! والثالث «عدم التفريط في أي كوب ماء أو متر مكعب من الثروات النفطية في البحر»، وهو من أبرم «اتفاق الإطار» مع الأميركيين في تخلٍ خطير عن الخط 29، خط الحدود وخط اتفاق الهدنة عام 1949، وخط ترسيم الخط الأزرق عام 2000، والتقى مع بقية المنظومة على هدر مساحة من المنطقة الاقتصادية الخالصة تفوق مساحة الجنوب وتقدر ثرواتها بأكثر من 100 مليار دولار بينها الجزء الأكبر من حقل «كاريش» الذي وضعت إسرائيل يدها عليه.
أما ذروة السريالية فكانت المواقف التي أطلقها باسيل لدى إعلان مرشحي فريق الرئاسة، فتلبس شخصية معارض وراح يطالب: «بدنا نجيب الكهرباء ونعمر السدود ونستخرج النفط والغاز ونبني الدولة»، وفاته أن وزارة الطاقة من حصة فريقه منذ 15 سنة، وحصة فريقه الثلث في الحكومات، فيما يشغل عون الرئاسة منذ 5 سنوات ونيف، و«إنجازاتهم» تغطية سلاح الدويلة واختطاف «حزب الله» للدولة وإمعانه في سياسة عزل لبنان عن حاضنته العربية، فمتى وكيف سيحقق هذه المطالب؟ وبأي حال تضمنت قائمة مرشحيه، علاوة على محكوم سابق بالعمالة لإسرائيل، 3 وزراء سابقين للطاقة هم من أوصلوا البلد إلى العتمة الشاملة.
إنهم يمعنون في إهانة الناس واحتقارهم بترشيح المرتكبين والفاسدين والفارين من وجه العدالة الذين فرضت عليهم عقوبات دولية والمتهمين بالعمالة للعدو والتبعية للنظام السوري أو يرتهنهم نظام الولي الفقيه. ويسعى «حزب الله» بفضل قانون انتخاب مذهبي، متصادمٍ مع الدستور، مزور للإرادة الشعبية، إلى الحصول على ثلثي البرلمان، لفرض مرشح له في الرئاسة ولإقرار تعديلات دستورية تمزق توازنات قام عليها الدستور فيتم تغيير نظام الطائف وربما يشرِّع سلاح الدويلة.
يستفيد «حزب الله» في مخططه من تعليق الحريري نشاطه السياسي، وسعيه لتعميم الإحباط والمقاطعة، فيعيق محاولات في الشارع السني رفع سدٍ بوجه «الممانعة». لم يكفه أنه كان المعبر لترئيس عون، والبصم على تسوية سلمت قرار البلد لمحور إيران، ليبدو أنه من التسوية المشؤومة إلى الاعتكاف يواصل تقديم الهدايا إلى نصر الله ولا يتورع عن محاولة نحر من يحاول الوقوف بوجه «حزب الله». فيما شكل اعتكاف ميقاتي حالة تذاكٍ بالسعي إلى إمساك العصا من الوسط، لإدارة الانتخابات، مع اطمئنان لبقائه في رئاسة الحكومة، وكطرف في تعويم تسوية عام 2016 من دون أن يدفع الأكلاف التي دفعها الحريري.
يُراد من هذا التحدي بمثل هذه الترشيحات التي كما قيل خلفها «تحالف كاريش»، واستناداً إلى قانون الصوت التفضيلي المذهبي وإمكانات السلطة وتهويل السلاح، أن تكون الانتخابات استفتاء على جاري عادات المنطقة. فتتحول الانتخابات إلى أكثر من تعويم التحالف المافياوي، لتكون بمثابة العفو عن الجرائم المرتكبة من النهب إلى جريمة تفجير المرفأ وما نجم عنها من إبادة جماعية.. وربما أيضاً العفو عن جرائم لاحقة.
لقد أحدثت ثورة «17 تشرين» تغييراً عميقاً، عندما كشفت جرائم التركيبة المتسلطة وعرّتها. وهاجس المتسلطين تكريس تسلطهم عبر انتخابات مركبة تستند إلى قانون أشبه بالبدعة للتزوير، كما من خلال العقبات المالية التي تمنع في ظلِّ الانهيار الكبير توجه الناس إلى المشاركة في الانتخابات. محتم على قوى التغيير أن ترفع التحدي المزدوج بالذهاب إلى الانتخابات؛ لوائح موحدة وفق تحالفات الحد الأدنى في السياسة بعيداً عن هاجس الفرز وعرض العضلات مع عنوان إنقاذي هو استعادة الدولة المخطوفة بالسلاح والفساد والطائفية. كل التحدي بلورة لوائح موحدة قبل الرابع من أبريل (نيسان)، موعد تسجيل القوائم، لتعكس قوة قوى التغيير، وكشف ارتكابات «تحالف كاريش»، فيكون ممكناً لصناديق الانتخابات أن تصنع ما يتوخاه الناس. وبدون ذلك لن تتمكن الأكثرية من التعبير عن نفسها، ولن تخدم محطة الانتخابات الآمال المتوخاة ببدءِ مسيرة الإنقاذ ووضع لبنان على المسار الصحيح لانتشاله من أزماته وتقصير جلجلة اللبنانيين.