توقيت القاهرة المحلي 10:49:55 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بين مشاريع الهيمنة والفشل في إدارة الأزمة اللبنانية!

  مصر اليوم -

بين مشاريع الهيمنة والفشل في إدارة الأزمة اللبنانية

بقلم:حنا صالح

لا قعر للهاوية التي دُفِع إليها لبنان، ولا سقف للارتفاع الفلكي في سعر صرف الدولار. لبنان الذي أسلمت طبقته السياسية المتسلطة القياد لـ«حزب الله»، مقابل محاصصة كراسيّ ومكاسب، في «تسوية» عكست انحطاطاً في الأخلاق السياسية والقيم معاً، كان لا بد أن تكون ترجمتها مع إمساك الدويلة بقرار البلد وخناق اللبنانيين، انهيارات اقتصادية ومالية واجتماعية، طالت أوسع الأوساط الشعبية. وسط هذه المشهدية، يفتك نظام القتل ببعض مَن حاصرهم اليأس واسودّت الدنيا في وجوههم، لتتتالى خلال أيام وقائع قتلٍ بدم بارد سُميت زوراً «انتحاراً»! 4 رجال بين العقدين الرابع والخامس، انتُحِروا خلال أسبوع، بعدما وجدوا أنفسهم عالقين، لا طاقة لديهم لتلبية متطلبات أسرهم، ولا فرص متاحة للهجرة طلباً للعمل! الضحايا الأربع عيّنة لاتساع حالة ارتفعت إلى 32 في المائة عمّا كانت عليه، وبدت لسلطة الاستبداد كأنها تتم في بلد آخر فلم يهتز جفن مسؤول ولم يأسف متسلط، فيما يبرز القلق والوجوم ويتسع اليأس. بطالة كبيرة، وفرص العمل منعدمة، وأبواب الحلول موصدة، والتضخم يأكل كل شيء. كل البلد يدفع فاتورة تسلط تركيبة سياسية بنكية ميليشياوية شكَّلت أخطر تحالف مافياوي تبدو معه «مآثر» إسكوبار مزحة سمجة!

لذلك رغم مرور 3 سنوات ونيّف على انفجار الأزمة، وإرسال اللبنانيين إلى الجحيم، لم يحاسَب لص واحد، ورغم ذلك تتوجه حكومة تصريف الأعمال إلى المواطنين بخطابٍ سريالي: «بدّكم تتحملوا معنا»! ولئن تم الادعاء على رياض سلامة، وسيتم «الاستماع إليه» يوم 15 الجاري، بتهم «الفساد والتزوير وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع»، فتبين أن هدفهم حمايته من الملاحقة الأوروبية، بذريعة أسبقية الادعاء لتبييض صفحته لاحقاً، بالزعم أنه لم يرتكب جُرماً على المال العام فيما السطو على المال الخاص ذهب بمرور الزمن!
على مدى السنوات الماضية، لم يكفّ الخارج عن مناشدة الطبقة السياسية تنفيذ إصلاحات تعهدت بها الحكومات المتعاقبة وكان من شأنها أن تضع لبنان على سكة الإنقاذ، لكن الممارسة أظهرت تنكراً للعهود وإدارة ظهر للمصالح الوطنية، لأن الأولوية الدائمة كانت وما زالت المضيّ في المنهبة وحماية المنهوب!
لم تبدأ الكارثة اللبنانية مع ثورة «17 تشرين» التي كشفت حجم إجرام الطبقة السياسية التي داست الدستور وتحكمت استناداً إلى سطوة الاحتلال السوري حتى عام 2005، وتشاركت البرلمانات وحكومات «الوحدة الوطنية» لاحقاً مع «حزب الله»، فقدموا له على طبق احتلال بيروت في عام 2008 حق الفيتو على السلطة بإقرارهم بدعة «الثلث المعطل» أو «الضامن»، ما مكّنه من إحكام تسلطه وسيطرته على مفاصل القرار!
في الرابع من مارس (آذار) الجاري قال رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني، إن «علاقة الوزير تنتهي مع القوى السياسية بعد ترشيحه ونيله ثقة البرلمان». وضع هذا الحديث تحت المجهر مسألة ممارسة السلطة الإجرائية في العراق التي كما يبدو استنسخت أبشع بدع الممارسة في لبنان كما بدأت منذ مطلع التسعينات. وصف هذا الوضع بشكل بليغ الوزير السابق ألبير منصور في كتابه «الانقلاب على الطائف»، عندما كتب: «جميع القرارات المهمة والأساسية كانت تُتخذ خارج مجلس الوزراء، ثم تُطرح فيه للتصديق عليها. ولم يكن اتخاذ القرارات خارج مجلس الوزراء يتم من موقع تحضيرها لإقرارها فيه، بل من موقع إقرارها خارجه وعرضها عليه للمصادقة، لم تكن تحضيراً لقرار مجلس الوزراء بل تقريراً عنه».
وللتذكير، عرف لبنان ما سمُيت «الترويكا»، وهي من بنات أفكار مُتولِّي «ملف لبنان» عبد الحليم خدام، لمصادرة صلاحيات مجلس الوزراء دون أي مسوغٍ دستوري، ولحلول «الرؤساء الثلاثة» مكان رئاسة الجمهورية، ليتم وضع اليد على إنفاق الأموال العامة وعلى تعيين الموظفين! واتسعت الدائرة لتطول أطراف نظام المحاصصة الطائفي الغنائمي، فأُتخِمت الإدارة بالتابعين منعدمي الكفاءة. يكشف الوزير السابق عادل أفيوني أن المتسلطين على لبنان «أوليغارشية تحاصصية». إنهم «هرم معكوس فيه 5 أو 6 فرقاء لا يتخذون أي قرار إلاّ إذا توافقوا فيما بينهم. وأي فريق له حق تعطيل أي إجراء»! واستناداً إلى تجربته يصوّب على الهدف، وهو المال، ليشرح عملية التمويل التي «تتم عبر استخدام الدولة مرافقها لمصلحة الأحزاب السياسية، لتمويل العمل السياسي والمصالح الشخصية والزبائنية والانتخابات»!
من الطبيعي أنه مع هذه الأوليغارشية صار انتخاب رئيس الجمهورية مهزلة، وتأليف الحكومات مأساة، أما عمل المجالس النيابية فمهزلة. وكل ما يجري اليوم في زمن رهانات المتسلطين على الشغور الرئاسي والفراغ في السلطة التنفيذية يؤكد أن القوى التي سقطت في امتحان إدارة الأزمة، يقدم كل فريق منها، مع التفاوت طبعاً، مشروعه للهيمنة، مُسقطاً من الحساب مصالح البلد ووجع مواطنيه، وأبرز وسائلهم القدرة على تعطيل دورة النظام الدستوري، ويقفزون فوق الزلزال اللبناني وتفجير بيروت لتقديم رهانات الاستيلاء على الحكم رغم التشققات العميقة على مساحة جمهورية الانهيار، وبينها تتالي حالات الانتحار! هذا المنحى عبّر عنه مؤخراً البطريرك الماروني بقوله: «لا أحد من السياسيين والأحزاب أو الكتل النيابية يقدم مشروعاً واحداً جدياً لإنهاض لبنان من انهياره الكامل»!
ما فعلته «ثورة تشرين»، أنها كشفت حجم ارتكابات الطبقة السياسية وتداعيات اختطاف الدولة ومخطط اقتلاع البلد، لتؤكد عبثية الرهان على هذه المنظومة واستحالة التغيير من داخلها أو بالتوافق معها، ولتؤكد أنه سيكون متعذراً استرجاع البلد ووضعه على سكة النهوض إلاّ مع طبقة سياسية جديدة بديلة. وكانت الانتخابات ترجمة فعلية مع التمكن من إيصال 10 في المائة من النواب حملهم أكبر تصويت عقابي فأسقطوا أكثرية «حزب الله» ومنعوا الأغلبية عن معارضة نظام المحاصصة.
كبيرة هي التحديات الماثلة أمام القوى التشرينية، وصار من نافل القول الرهان على تغيير في الأداء الهزيل لـ«تكتل التغيير» الذي تجاهل برعونة أهمية الاستناد إلى الكتلة الشعبية الوازنة التي أوصلت هؤلاء النواب، وأهمل الاستثمار في توق اللبنانيين لقلب الصفحة وإنجاز تغيير كامل. ثابتٌ وأكيدٌ أن المواطنين كانوا جاهزين عند كل المحطات الكبرى. صنعوا أعمق ثورة حفرت في وجدان الناس، وانتفضوا في الثامن من أغسطس (آب) 2020 رداً على تفجير المرفأ وبيروت، وصوّتوا عقابياً في 15 مايو (أيار) 2022، والعودة إلى مقاعد المتفرجين لا تعني فشل السياسة ولا تعني أنهم لم يتعلموا الدروس من أداء المتسلطين... بل إن المطلوب بإلحاح تسريع بلورة موجة تشرينية منظمة توحي بالثقة بطرحها السياسي وبرموزها، لتكون المحفز الذي يمكن عبره استعادة المجتمع حيويته فتتشكل «الكتلة التاريخية» الشعبية لإنجاز مشروع الدولة المرتجاة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين مشاريع الهيمنة والفشل في إدارة الأزمة اللبنانية بين مشاريع الهيمنة والفشل في إدارة الأزمة اللبنانية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح

GMT 01:19 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

لاتسيو يحتفظ بخدمات لويس ألبيرتو حتى 2022

GMT 07:17 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

وفاء عامر تبدي سعادتها لقرب عرض مسلسل الدولي

GMT 09:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

فيسبوك يُجهّز لتسهيل التطبيق للتواصل داخل الشركات الصغيرة

GMT 20:34 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

حبيب الممثلة المطلقة أوقعها في حبه بالمجوهرات

GMT 04:40 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

أشرف عبد الباقي يسلم "أم بي سي" 28 عرضًا من "مسرح مصر"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon