توقيت القاهرة المحلي 00:09:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سوريا إلى أين؟

  مصر اليوم -

سوريا إلى أين

بقلم-حنا صالح

من قمة إسطنبول الرباعية إلى رفض النظام السوري للطلب الأممي تشكيل اللجنة الدستورية، يبدو أن مسارات التفاوض حول سوريا مجرد شراء وقت، ويبدو أيضاً أن مسار الحل السياسي دخل مرحلة الجمود، ما لم تكن الطريق المسدودة.
من البداية، قالت قمة إسطنبول إنه من الضروري «الاستمرار في جميع مسارات الحل السياسي»، وعندما وُجهت الأسئلة إلى الرئيس الروسي للضغط من أجل إطلاق اللجنة الدستورية، تحدث الرئيس بوتين عن «ضرورة إطلاق عمل اللجنة التي يجب أن تتحلى بالشرعية كشرطٍ أساسي يسمح لها بإمكانية أن تكون هذه البنية فعالة ومثمرة»... ما يعني أن روسيا الآن ليست مستعجلة، ربما لأنها تتشارك مع النظام السوري الخشية من أن تذهب الصياغات الدستورية إلى مدى لا تريده في هذه الظروف، وهو بدء معالجة أسباب الصراع بما قد يفتح الباب نحو حلٍ مرحلي يشكل الممر إلى خطوات تغييرية تستند إلى الشرعية الدولية وقراراتها، وهو الأمر الذي يعني البدء بطي صفحة بقاء رئيس النظام بشار الأسد، ليصبح ممكناً الانتقال إلى سوريا مختلفة. هذا الأداء الروسي استوقف وزير الدفاع الأميركي الجنرال جيمس ماتيس الذي وصف روسيا بأنها «تفتقر إلى الرغبة الصادقة لأهم المبادئ الأخلاقية في ضوء استعدادها لتجاهل الأعمال الإجرامية للأسد تجاه شعبه».
مكافحة الإرهاب أمر محوري في القمم الشبيهة، لذا كان هناك التشديد على «ضرورة القضاء على الإرهاب في سوريا»، لكن الكل يعرف أنه في أحوال كثيرة كان يتم استدعاء الإرهاب ونقله في باصات مكيفة إلى كل جهات سوريا، والكثير من العمليات الإجرامية كانت تتم على الطلب لاستثمارها في مخططات دنيئة، ودماء جريمة السويداء لم تجف بعد. 
أما «تأمين العودة الطوعية للاجئين تحت إشراف الأمم المتحدة» فالأمر ما زال في إطار الشعارات الرنانة والاستغلال، والرفض الفرنسي - الألماني للمطالبة الروسية المشاركة في إعادة إعمار سوريا تمهيداً لعودة اللاجئين، أعاد التأكيد على الموقف الدولي الرافض تمويل من تسببت حروبه وبراميله بتهجير الملايين، والتأكيد كذلك أنه لا عودة جدية قبل الحل السياسي، وهنا تقع المسؤولية الدولية، لأن معطيات الظرف الراهن تفيد بأن الجانب الأممي لعب دور المروج للأفكار الروسية منذ قبول الأمم المتحدة في العام 2017 المشاركة في «مسار آستانة»، وقد تم ذلك على حساب «مسار جنيف»، وواقعياً جرى استبعاد كل بحث جدي عن حل متوازن مستدام للمسألة السورية.
طبعاً أمر إيجابي أن يؤكد المجتمعون في إسطنبول على «وحدة الأراضي السورية والحل السياسي برعاية الأمم المتحدة واستمرار مسار جنيف وأهمية الاستمرار باتفاق إدلب لحقن الدماء»، لكن أن يضيف الرئيس التركي أن «التعاون الذي جرى في آستانة مثالي، وانضمام ألمانيا وفرنسا يحول هذه الصيغة إلى صيغة مثالية أكثر»، فهو أمر لافت لأنه في «آستانة» كما في «سوتشي» تم رسم خرائط نفوذ القوى الإقليمية، وما إعلان الرئيس بوتين عن حق الاحتفاظ بالرد على أي اعتداء أو تهديد إلا بمثابة تسليم بتكريس الوضع الراهن الذي يقسم سوريا مناطق نفوذ، وأن هذا الوضع باقٍ لفترة طويلة.
تزامناً مع المماطلة الروسية في الدفع نحو حلٍ مستدام للمسألة السورية، تتقدم على الأرض الوقائع اللافتة من شرق الفرات إلى الشمال السوري والجولان المحتل. مع قرار واشنطن البقاء حتى إنهاء «داعش» وإخراج النفوذ الإيراني وولوج الحل السياسي كضرورة لعودة آمنة للاجئين، انطلقت في شرق الفرات عمليات إعادة إعمار تحاكي بشكل من الأشكال ما شهدته كردستان العراق قبل عقود بعد فرض الحظر الجوي الأميركي على نظام صدام حسين. ومع تفاؤل مبالغ به في ضوء الإنفاق الكبير الجاري، يتردد من الرقة إلى كوباني أن جهود إعادة الإعمار ستحول المنطقة إلى نوع من برلين الغربية مقابل ما كانت عليه برلين الشرقية. أما في الشمال حيث تمتد السيطرة التركية من جرابلس في ريف حلب إلى عفرين غرباً مروراً بأعزاز، فهناك الكثير من مظاهر تعريب المناطق الكردية وتتريك الشمال السوري. 
ففي تقرير نشرته «الشرق الأوسط» بتاريخ 30 - 10 - 2018، ورد أنه «من الكتب المدرسية إلى لافتات الطرق والكهرباء والبريد والصيرفة وشرائح الهاتف وأسماء القرى تغزو تركيا بلغتها ومؤسساتها المشهد»، وفي أعزاز تقرر «استبدال اللغة التركية باللغة الفرنسية»، ويقول باحث جامعي تركي إن بلاده «تسعى إلى ترسيخ وجودها»، موضحاً أن «هذه المناطق لن تكون جزءاً من تركيا، لكن تركيا ستبقى المتحكمة فيها بفعل الأمر الواقع». وطبعاً لا يفوت المتابعون مساعي العدو الإسرائيلي لتثبيت سيطرته النهائية على الجولان السوري المحتل (!!) والتحكم في منطقة عازلة يتراوح عمقها بين 15 و20 كلم.
بعد حرب عام 67 سادت مقولة: احتلت الأرض لكن بقي النظام، ومنذ ذلك التاريخ النظام السوري الحارس الأمين لحدود الاحتلال يرتمي في أحضان القوى التي أمنت له هذه الاستمرارية. وبعد العام 2011 ومع سياسة الاستقواء على أهل البلد وأبنائه، لم يكن أمراً مفاجئاً الارتماء السافر في حضن النظام الإيراني وميليشياته المتطرفة، ثم في الحضن الروسي بعد الهزائم التي لحقت بميليشيات النظام و«الحرس الثوري». مقابل كرسي الحكم ولو على قصر المهاجرين وحسب، تم رفض المطالب الإصلاحية التي رفعت وإنهاء المعارضة الداخلية وتسليم قرار البلد المنتهك السيادة للخارج... والأمر الثابت والحقيقي أن الروس كلما كانوا يتقدمون على الأرض كانوا يتخذون خطوات إضافية لإعادة تأهيل نظام الأسد... وصولاً إلى مرحلة حصر الأولوية بمحاربة الإرهاب، ومقابل كل ذلك غاب عنوان «هيئة الحكم الانتقالي» وغاب البحث السياسي الجدي بشروط التسوية، وكان التراجع الحقيقي عن «مسار جنيف».
اليوم النظام السوري الذي سلم أمره وبات خارج التأثير، ووزنه في القرار محدود للغاية، يعرف أنه لم تعد من ضرورة حتى التشاور المبدئي معه بما يدور في قمم سوتشي وإسطنبول وسواها... وبالمقابل قيادات المعارضة للثورة التي قدمت أثمن التضحيات، تعيش حالة انفصام وكسل وعدم سعي لابتداع نهج أو منحى يمكن أن يطور آليات تفكير وأنماط عمل تسمح بقراءة جادة للواقع الجديد، وكيف يمكن التعامل معه، لأن انتفاضة الشعب السوري، وإن كانت اليوم كامنة ويستحيل طي صفحتها، فإن الأمور لم تعد في البدايات، والسوريون لم يعودوا في مرحلة «جنيف واحد»، وسوريا التي يعرفها أهلها تغيرت، وقد تكون هناك استحالة لاسترجاعها، رغم أحاديث المتدخلين الطامحين عن وحدة الأرض والجغرافيا. الوقت كالسيف وثبات وقف النار يجب أن يكون الحافز لبلورة عمل شعبي مدني يضيق الخناق على التقسيم الزاحف.

نقلًا عن الشرق الآوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا إلى أين سوريا إلى أين



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 16:38 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

إطلالات مختلفة تناسب قصيرات القامة من وحي منى زكي
  مصر اليوم - إطلالات مختلفة تناسب قصيرات القامة من وحي منى زكي

GMT 08:13 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

الضوء في الليل يزيد فرص الإصابة بالسكري
  مصر اليوم - الضوء في الليل يزيد فرص الإصابة بالسكري

GMT 23:07 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

أحمد رزق يتعاقد على مسلسل «سيد الناس» رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد رزق يتعاقد على مسلسل «سيد الناس» رمضان 2025

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

دار Blancheur تعلن عن عرض مميز لأزياء المحجبات في لندن

GMT 10:03 2020 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

طريقة عمل الفاصوليا البيضاء

GMT 04:45 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الأمن المصري يكشف حقيقة اختطاف فتاة في منطقة "المعادي"

GMT 10:07 2020 السبت ,10 تشرين الأول / أكتوبر

الصحة: تسجيل 106 إصابات جديدة بـ كورونا و12 وفاة

GMT 11:56 2020 الخميس ,13 آب / أغسطس

7 أشكال غريبة لرفوف الكتب تعرفي عليها

GMT 17:04 2020 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

مستشار الرئاسة التركية ياسين أقطاي يوجه رسالة إلى مصر

GMT 08:00 2019 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سيات أتيكا 2020 في مصر رسميًا

GMT 03:29 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

داليا مصطفى تتعرَّض لعملية نصب وتُحذِّر الفنانين

GMT 08:30 2019 الأحد ,23 حزيران / يونيو

تصميمات "الفيونكة" تزيّن مجوهرات العروس في 2019

GMT 17:44 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

بلاغ ضد هالة صدقي بسبب فيديو "حثالة المجتمع"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon