توقيت القاهرة المحلي 16:24:15 آخر تحديث
  مصر اليوم -

معركة الرئاسة لاستعادة الدولة!

  مصر اليوم -

معركة الرئاسة لاستعادة الدولة

بقلم - حنا صالح

لم تكن رئاسة الجمهورية في لبنان مستقلة ومركزاً لتوجيه القرار والبوصلة لمسار البلد، منذ قُتِلَ رئيس الطائف، رينيه معوض، أول رئيس تم انتخابه بعد الحرب الأهلية. في «عهد» إلياس الهراوي الممدد 3 سنوات، كما «عهد» سلفه إميل لحود الممُدّد له أيضاً، كانت القرارات بين أيدي جنرال ممثلٍ لرأس النظام السوري، تحول مقر إقامته في عنجر إلى «قبلة» سياسيين طامحين اهترأت أرجلهم على طريق دمشق!
قوانين الانتخاب سُميت باسم المندوب السامي السوري؛ قانون غازي كنعان! كما وضعت تعديلات قانون «أصول المحاكمات الجزائية» في عنجر ليبصم عليها البرلمان، والأخطر قانون التجنيس الذي أضاف ما يزيد على 8 % على عدد اللبنانيين، وكانت أسماء الوزراء ترسل فور التكليف. والناس تتذكر أن الرئيس الهراوي أبلغ اللبنانيين وهو في طريق العودة من دمشق أن الأسد الأب اختار إميل لحود رئيساً، ويوم استضافت بيروت قمة استثنائية إثر تدمير إسرائيل معامل الكهرباء، طلب الرئيس مبارك من لحود الكلام في بداية القمة، فتلبك وتحدث بما تيسر، ليتبين أن كلمته كانت قيد «التنقيح» لدى الجانب السوري!
عموماً الرئاسة اللبنانية رغم كلِّ الهِنات قبل «العهد القوي»، لم تكن على هذا المستوى من الهزل، سواء مع الهراوي أو لحود زمن الاحتلال السوري، أو أيام الرئيس ميشال سليمان في مرحلة الهيمنة الإيرانية من خلال ميليشيا «حزب الله». لم تُقيدهم المصالح الضيقة الشخصية والحزبية... لكن الرئيس عون تصرف كطرفٍ منذ اليوم الأول مقدماً مصالح فريقه. كان رئيساً لتيار سياسي وشغل رئاسة الجمهورية، همه تمكين تياره السياسي، بأن تُحصر به الحصة المسيحية في الدولة، بعد الانقلاب على اتفاق معراب، اتفاق تقاسم الحصة المسيحية مع حزب القوات، كثمن لترشيح عون وانتخابه وهو مرشح «حزب الله» الوحيد!

ترك جيش النظام السوري هامشاً هشاً للرئاسة، مقابل استئثار دمشق بالقرار السياسي والمقدرات، حتى أخرجته «انتفاضة الاستقلال» عام 2005. أما في زمن «العهد القوي» صاحب «الحيثية» و«التمثيل»، فقد قايضت الرئاسة نفوذ فريقها وتقدمه على أطراف نظام المحاصصة، بتغاضيها عن تغول الدويلة التي أمسكت مفاصل السلطة، فراح نصر الله يتخذ القرارات ويملي السياسات والتوجهات من خارج أي إطار أو تشاور ولو شكلياً! حوّل «حزب الله» دويلته إلى كيان موازٍ، مستقل بقوته العسكرية وأدواته التنفيذية، ومستقل ببنيته الاقتصادية و«قرضه الحسن»، كما في محاكمه وسجونه، وفي استنساخ نظام «تعليم» إيراني خطير، وكذلك في السياسات التي يتبعها ومهامه الإقليمية كفصيل من «فيلق القدس» (...) واستمر داخل الدولة لحاجته إلى غطاء الشرعية والرئاسة، وتحكم في تأليف الحكومات وقراراتها منذ العام 2011!
لقد تعاملت الدويلة مع لبنان كمساحة جغرافية، أو جبهة متقدمة لحماية مشروع «ولاية الفقيه». والتزمت أجندة حكام طهران، أي جعل لبنان جزءاً من منطقة مستتبعة لدولة دينية مذهبية وإن كنا نعيش في القرن الـ21! ويبقى أفضل معبرٍ عن هذا المنحى إعلان الشيخ نعيم قاسم، في تبريره بقاء «المقاومة» بعد جلاء المحتل الإسرائيلي في 25 مايو (أيار) 2000، الذي أصبح عيداً للتحرير، فقال إن المقاومة «جاءت بسبب مبدأ لا ظرف والمبدأ لا يتغير وإن تغير الظرف»! والمبدأ الثابت هو بالتأكيد مشروع «ولاية الفقيه». وتباهى نصر الله بتبعية «حزبه» بالإعلان أن الجيش الذي أنشأه «طعامه وشرابه وسلاحه ورواتبه من إيران... ومهمة هذا الجيش منع تجدد الحرب الأهلية»، وكأن هناك ثارات مفتوحة بين الناس، تضبطها الميليشيا، فيما أنه أمام كل استعصاء كان يتم التهديد بالحرب، منذ البروفة الدموية لاحتلال بيروت في 7 مايو 2008!
إن هاجس «حزب الله» الرئيسي تشريع تغوله، وقوننة قضمه للسلطة، وتغطية الدولة المخطوفة بالسلاح، وقد تغاضى أطراف نظام المحاصصة الطائفي عن ذلك. وكانت التوقعات تفيد بأن ذلك مضمون، مع التوهم بأن ثورة «17 تشرين» خمدت وتراجع تأثيرها. فبلغ التشاوف حدّ إعلان نعيم قاسم أن «لبنان المقاومة والانتصارات، هو لبنان الذي نريده، فمن أراد الالتحاق به ومن لم يرد فليبحث عن حلٍ آخر»! واستبق نصر الله صناديق الاقتراع فأبلغ «حلفاءه» في إفطار رمضاني أن فرنجية سيكون الرئيس الذي يخلف عون!
قام المخطط على فرضية إيصال رئيس يستكمل النهج العوني، ما يضمن استمرارية تسلط «الحزب» ومتابعته مشروعه للهيمنة واقتلاع البلد. ويكون رجل «الحزب» في الرئاسة مطية الانتقال إلى لبنان الآخر الممانع! كل ذلك دونما الحاجة إلى طرح أي برنامج رئاسي، أو تصورِ حلٍ لأي معضلة، أو سعي إلى التخفيف من حدة الانهيارات، فما من شيء يدعو للتوقف أمام سلطات استنكفت عن مسؤوليتها في ضمان الحد الأدنى من حقوقٍ للناس بالكهرباء والغذاء والدواء والماء والتعليم... وحولت لبنان رصيف هجرة لمن يستطيع، فيما انضمت أعداد كبيرة إلى شعوب «قوارب الموت» هرباً من الجحيم المافياوي!

كل هذا المخطط انتكس لأن «ثورة تشرين» أحدثت الفارق مع الانخراط الواسع في الشأن السياسي، وتداول الناس أولويات مثل الفساد والنهب والمحاصصة واختطاف الدولة وارتهان البلد، إلى الانتخابات التي وجهت صفعة مدوية لكل القوى، مع التصويت العقابي الواسع الذي أدخل 13 نائباً يمثلون الثورة إلى البرلمان.
حدث تغيير جدي لكنه ليس كل التغيير المطلوب، والأكيد أن الرئاسيات هذا الخريف ستكون صعبة ومعقدة بعد فضيحة جلسة التشريع التي أسقطت مزاعم كتلٍ ونواب ادعوا السيادة والاستقلالية. فقد أسقطوا الخط 29 وهو خط الحدود والحقوق للبنانيين. وأفرغوا قانون السرية المصرفية من جوهره، ليصبح قانون عفوٍ عن الجرائم المالية، فبدت التصاريح والتغريدات عن الخط 29، وعن رجم الفساد، مزايدات تستهدف عصب قواعد شعبية صدّعتها حقائق كشفتها الثورة. وجاء تقرير البنك الدولي عن مخطط «بونزي» الذي بدأ منذ عقود، ليتهم «النخبة»، بكل أطرافها، بأنها نهبت موارد الدولة والودائع وتُحمل اللبنانيين المدمرين أوزار جرائمها المالية! لذا خوض المعركة الرئاسية ضرورة وينبغي استنباط عدتها، من برنامج الإنقاذ السياسي والمالي والاقتصادي وإحياء الدستور لاستعادة السيادة وحصر السلاح بيد الدولة، إلى تقديم المرشح المؤهل لحمل برنامج انتشال لبنان، وحماية الفئات المعدمة، والتأكيد على أولوية حقوق الفئات المهمشة.
الأرجح أن تعثراً أصاب مشروع «حزب الله» للرئاسة، والتهيئة جارية لشغور رئاسي طويل، والبعض يترقب خطوة انقلابية فيبقى عون عنوة في القصر، وهو بشّر بـ«ألاّ يكون مصير الانتخابات الرئاسية مماثلاً لتشكيل الحكومة»! ولأنه مستحيل فتح صفحة جديدة مع الوجوه القديمة الباهتة، فمن غير المقبول السير باقتراح ملء الفراغ المقيم بمن بالكاد بوسعه إدارة الأزمة، فيما يحتاج البلد إلى حلولٍ حقيقية. لذا البرنامج الإنقاذي كما المرشح، ضرورة لرفع وتيرة التأثير الشعبي في هذه المعركة المحورية، علماً بأن الواقعية تفترض ميزان قوى بديلاً لتحقيق هذا الهدف المثالي. إنما الوضوح السياسي سيسهم في بلورة «الكتلة التاريخية» والبديل السياسي، وفي تزايد تأثير نواب الثورة في مسار استعادة الدولة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معركة الرئاسة لاستعادة الدولة معركة الرئاسة لاستعادة الدولة



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 16:21 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت
  مصر اليوم - أحمد عز يتحدث عن تفاصيل فيلم فرقة موت

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon