توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دروس لبنانية: كيف يُشرّع نهب المستقبل؟

  مصر اليوم -

دروس لبنانية كيف يُشرّع نهب المستقبل

بقلم - حنا صالح

أدى عدم تأمين نصاب الجلسة البرلمانية الخميس الماضي إلى عدم انعقادها، ما علّق مخطط تشريع نهب المستقبل، وإقرار عفو عن الجرائم المالية بحق لبنان وأكثرية اللبنانيين، من خلال قانون «كابيتال كونترول» تم تفصيله على مقاس الكارتل المصرفي!

في بلدٍ طبيعي، كان المأمول انعقاد اللجان النيابية ذات الصلة، والهيئة العامة للبرلمان لمناقشة تقرير «التدقيق الجنائي» بوضع مصرف لبنان، بعدما نُشر النص وتظهّر جانب من الارتكابات. خصوصاً أن مؤسسة التدقيق «ألفاريز آند مارسال» تحدثت عن حجب معطيات بينها شطب أسماء عن عمليات تحويل مشبوهة إلى الخارج! كان على البرلمان أن يستنفر بعدما تأكد أن الفجوة المالية تفوق الـ100 مليار دولار، وهي وفق التدقيق نتيجة سياسات افتقرت إلى الشفافية، وهزال المجلس المركزي؛ نواب الحاكم ومديري المالية والاقتصاد، وتخاذل مفوض الحكومة عن واجبه، وتواطؤ وزراء المالية، فتم تمرير ميزانيات وهمية، تضمنت تلاعباً بالأرقام وانعدام المعايير المحاسبية، وتوزيع أرباح غير محققة، وهندسات مالية مشبوهة... إضافة إلى تمويل نافذين وتوزيع «عطايا» وتنفيعات ارتكزت على اختلاس مالٍ عام وإثراء غير مشروع وغسل أموال!

في بلد طبيعي، كان ينبغي على مجلس الوزراء أن ينقل «جميع المعلومات الواردة في التقرير إلى القضاء وإضافتها إلى ملفات التحقيق»، وفق المطالبة الخطية التي تقدم بها سعادة الشامي نائب رئيس مجلس الوزراء، لأن في ذلك مدخلاً لرسم إطار إعادة الأموال المهربة لما فيه مصلحة اللبنانيين والمودعين خصوصاً. غير أن التحالف المافيوي المتسلط، الذي دشن نظامه التحاصصي قبل أكثر من 3 عقود بقانون العفو عن جرائم الحرب، أهمل «التدقيق الجنائي» رغم المخطط الإجرامي. تعامى عن جريمة إفلاس المؤسسة النقدية الأم، التي تشارك بالمسؤولية عنها «ساسة ذوو نفوذ، ومصرفيون ووسطاء ماليون ونخب قانونية وقضائية وإعلامية مرتبطون ببرجوازية الفساد»... «شراكة مع الياقة البيضاء للجريمة المنظمة» (كل ذلك وفق «التدقيق الجنائي»)، فاعتمدت نظرية عفّى الله عما مضى، ومحاولة قوننة نهب المستقبل؟

على مدى أربع أو خمس سنوات مضت، شكلت الودائع المصدر المحوري للتمويل بالدولار. المليارات وهي جني أعمار أجيال من المواطنين تم هدرها ونهبها واستخدامها في خدمة سياسات دعم عشوائي أثرت المحتكرين والقوى السياسية الطائفية خلفهم، كما عززت التهريب الذي كان من حصة ميليشيا الدويلة والميليشيات عبر الحدود. وشكلت الأموال المهربة إلى الخارج بنداً أساسياً، فيما الأرباح غير القانونية عبر منصة «صيرفة» تجاوزت الملياري دولار لتخلق شريحة من الأثرياء الجدد، فضلاً عن تمويل مصارف مفلسة وكارتل مصرفي من المرابين.

كل ذلك كان يمكن الحد منه، لو تمّ على الفور إقرار «كابيتال كونترول» في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2019، كي تؤمن إدارة مرحلية للسيولة بالعملة الأجنبية، تسهل تصحيح ميزان المدفوعات وبدء الخروج من الأزمة من خلال تحفيز الإنتاج والتصدير، كما منع الاستنسابية في التعاطي مع المودعين والودائع! غير أن ما حصل كان أشبه بتعمد القضاء على فرص الإنقاذ، ثم تثبيت نظام «الإفلات من العقاب» مع السعي لإقرار متأخر لـ«كابيتال كونترول» يخدم المصارف!

لتوضيح الصورة لا بد من التنبه إلى أن المادة 112 من هذا القانون تمنح مصرف لبنان والمصارف عفواً مالياً عاماً عن كل ما حصل قبل وبعد ثورة «17 تشرين» 2019، من تقييد للودائع والتوقف عن الدفع والهيركات اللاقانوني... كما تمنع المادة إياها كل أشكال المحاسبة عبر «تعليق تنفيذ جميع الأحكام والقرارات القضائية القابلة للتنفيذ في لبنان والخارج، التي صدرت ولم تنفذ والتي ستصدر». وهكذا عبر قانون فاسد يتم تبرئة ذمة المصارف وتُطوى صفحة أكبر الجرائم المالية التي دمّرت النقد والاقتصاد وحياة اللبنانيين!

العفو عن الجرائم المالية، إسوة بالعفو عن جرائم الحرب، يكتمل بالمضي بخداع اللبنانيين بكذبة «الصندوق السيادي» في إصرار على بيع الأوهام للناس بأن لبنان عشية التنقيب عن النفط والغاز، وأن لبنان بات «بلداً نفطياً» والثروة آتية... فيما حقيقة ما يجري أن نظام المحاصصة الطائفي الغنائمي الذي يعلم أنه إن وجدت احتياطات نفطية قابلة للاستخراج والتسويق فذلك لن يكون قبل عام 2033، فإن هدفه الفعلي تشريع القانون الذي يتيح نهب المستقبل، بعدما يكون قد مرر براءة ذمة عن نهب الماضي والحاضر!

خطورة المشروع الذي عُلِّق ولم يطوَ أنه يربط المتوقع من العائدات بالدين العام. في كل الدول التي أقامت صناديق سيادية بعد فترة من بدء الاستثمار والتسويق ربطت العائدات بمصلحة الأجيال المقبلة، فيما منظومة الفساد المتسلطة قدمت مشروع قانون يربط بين العائدات المرتقبة ودين القطاع المصرفي، أي إعادة تمويل النافذين والمصرفيين والميليشيويين الذين نهبوا الودائع بعد السطو على واردات الدولة، فيكون صندوقهم محصناً بقانون فاسد سداه ولحمته تغطية مخطط نهب المستقبل! لقد أناط مشروع قانونهم للصندوق السيادي بالناهبين لإدارة العائدات والتحكم بما ينبغي أن يكون ثروة الأجيال!

مرة أخرى ما كان ممكناً لهذا الانفلات الفج بالذهاب إلى محاولة قوننة الفساد، لولا تعطيل السياسة وإشغال اللبنانيين بلقمة العيش وحبة الدواء ودفعهم قسراً إلى مواجهات جانبية، أياً كانت وجاهتها يمكن أن تؤجل، عندما يتبين أن الهدف حرف أنظار الناس واهتمامها عن وجعها ومسبب الوجع، ويتكامل هذا المنحى مع شبه فراغٍ في المواجهة على المستوى النيابي، نجم عن خسارة مدوية يتحمل مسؤوليتها أكثرية النواب الذين وصلوا بفضل التصويت التشريني العقابي ضد الطبقة السياسية، وكذلك مستقلين، فكان التلكؤ عن حمل قضايا من أوصلهم والدفاع عن مصالحهم على طريق بناء قطب سياسي آخر متعذر مع وجوده على «موالاة» النظام و«معارضته» تجاوزه!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دروس لبنانية كيف يُشرّع نهب المستقبل دروس لبنانية كيف يُشرّع نهب المستقبل



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon