بقلم : حنا صالح
في 30 سبتمبر (أيلول) دخل التدخل العسكري الروسي في سوريا عامه الخامس. كان الرئيس بوتين قد تحدث علانية عن التدخل الذي جاء بعد فشل النظام الإيراني بشكل كامل في إنقاذ النظام السوري، وتعهد بأن التدخل الروسي سيكون مؤقتاً لـ«3 أو 4 أشهر»، وكشف أن المهمة تتطلب «دعم الجيش السوري ضد التنظيمات الإرهابية»، وأنه سيتم فقط من خلال «عمليات جوية لدعم القوات البرية»، وعرضَ معطيات عن وجود منظمات استقدمت الإرهابيين من مختلف البلدان، ومن بينها «روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق»، مشدداً على قتالهم هناك، لأنه دون ذلك «سيعودون إلى روسيا».
مباشرة مع تصريحات الرئيس الروسي، كانت القاذفات الروسية تدكّ المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، وخلافاً لمزاعم موسكو عن استهداف إرهابيّي «داعش» تركزت أولى الغارات على مواقع «الجيش الحر» في اللطامنة شمال حلب، والرستن وجسر الشغور وسواها... وتأكد أن الأهداف الروسية كانت المعارضة المعتدلة التي حملت مشروعاً سياسياً تغييرياً بديلاً للنظام السوري، فاستخدمت روسيا كل ما تملكه من إمكانات عسكرية مستخدمة نهج الأرض المحروقة، وباكراً تباهت بأنها جرّبت في الشعب السوري كل أسلحتها الفتاكة وأن قواتها أجرت تمارين حية!!
لاحقاً تبين أن روسيا تشارك في الحرب على الشعب السوري بكل قواها، إذ تأكد وجود قواتٍ برية على الأرض، وإن اتخذت تسميات مغايرة، مثل «الشرطة العسكرية الروسية» أو وحدات الحماية الخاصة، ولاحقاً برز وجود مجموعات «المتطوعين» التابعين لشركة «فاغنر» وغيرها، بحيث يكون من السهل على وزارة الدفاع الروسية التنصل من المسؤولية عن الجرائم التي يرتكبونها، وكذلك عدم تحمل المسؤولية عن القتلى في صفوف هؤلاء المرتزقة، وهذا ما جرى بالضبط عند محاولة هؤلاء السيطرة على آبار النفط شرق الفرات، فقام الطيران الأميركي بإبادة مئات منهم خلال ساعات قليلة.
وحتى يؤكد الرئيس الروسي أنه وفّي لتعهداته، أعلن في 14 مارس (آذار) 2016 عن سحب الجزء الأكبر من القوات الروسية من سوريا، لأن سوريا أصبحت «خالية من تنظيم داعش (...) وفق وزارة الدفاع الروسية»، وكان ذلك بعد 5 أشهر ونيف على بدء التدخل، ليتبين أن الحاصل استبدال روتيني للقوات العسكرية، تزامن مع بدء توسعة قاعدة «حميميم» الجوية، وتحضير أماكن مضاعفة لسكن الضباط الروس وإقامة العسكريين، ولاحقاً بدأت أعمال التوسعة في قاعدة طرطوس البحرية الروسية، وتزامن كل ذلك مع انطلاق «مسار آستانة»، مع انضمام الرئيس التركي إلى الرئيسين الروسي والإيراني!! وبدء مرحلة «مناطق خفض التصعيد»، وسياسياً مرحلة تجويف «مسار جنيف» وتقديم طروحات مجتزأة للقرار الدولي 2254 بالسعي الدؤوب لشطب المرحلة الانتقالية، وهي أبرز مرتكزات أي حل سياسي حقيقي للأزمة السورية.
في العام 2018 أعلنت روسيا الانتصار العسكري وكشفت أن النظام السوري الذي كان يهيمن على نحو 18 في المائة من الأراضي السورية بات نتيجة التدخل الروسي يسيطر على أكثر من 60 في المائة إلا شرق الفرات وإدلب وأمكنة السيطرة التركية، والأهم تمثل في إعلان موسكو استخدام نحو 63 ألف عسكري، بينهم نحو 25 ألف ضابط ومئات الجنرالات، وهذا يفسر الاستخدام المكثف للعمليات الجوية، حيث يلعب الضباط المحترفون دوراً محورياً، وروّجت موسكو دعاية تسويقية مكثفة لفعالية الأسلحة المستخدمة!
السؤال الكبير اليوم هو؛ ماذا حققت روسيا من هذا التدخل في الأزمة السورية؟ وما الأثمان؟ وهل بالإمكان الحديث عن نتائج نهائية؟
مع التوسعة الإضافية الراهنة على قاعدتي «حميميم» و«طرطوس» والاتفاقات المبرمة للبقاء العسكري 49 سنة، حقّقت روسيا حضوراً قوياً في شرق المتوسط، لم يحققه الاتحاد السوفياتي السابق، وأنجزت تنسيقاً غير مسبوق بين الجيشين الروسي والإسرائيلي، ولهذا الأمر حسابات روسية بعيدة المدى، خصوصاً في العلاقة مع أميركا. وبعد التعاطي مع روسيا كأنها مجرد قوة إقليمية كبرى، عادت لتكون شريكة في معالجة الأزمات الدولية، لكن هذه الأرباح دفترية، أي أنها لم تُكرس بعد، ولا يمكن أن تُكرس من دون تسوية سياسية.
مؤخراً تمثلت الخطوة المهمة في الإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية التي ستلتئم في جنيف في 30 أكتوبر (تشرين الأول)، لكن تأليف هذه اللجنة استغرق عامين، فكم من الوقت سيكون مطلوباً للتوافق النهائي على جدول الأعمال والمباحثات؛ خصوصاً أنه وُضِع على المستوى نفسه مسألتا البحث في تعديل الدستور السوري للعام 2012، والذهاب إلى وضع دستور جديد، وهذا أمر يرفضه النظام ولا يحظى بموافقة روسية. هذا المنحى الروسي أكده وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي قال: «يجب أن تسبق الانتخابات السورية وفق القرار 2254 إصلاحات دستورية»، وهذا الموقف مغاير كلية لنص القرار 2254 الذي يشدد على تشكيل هيئة حكم انتقالية تؤسس للتسوية السياسية. خلاصة القول، ما زال البحث الدائر في الهامش بعيداً عن متن جوهر الحل، وهذا الأمر مؤجل بانتظار توافقات مع أميركا، وهي غير ممكنة في الفترة الفاصلة عن الانتخابات الأميركية.
بانتظار التطورات وما سترسو عليه مسألة إدلب والدور التركي والوضع في شرق الفرات، وما تعوّل عليه روسيا من استعادة القدرات العسكرية للجيش النظامي لإضعاف الدور الإيراني، رتّب التدخل العسكري أعباء مالية كبيرة على دولة متواضعة القدرات الاقتصادية، وكل الأحاديث أن التكلفة لا تتجاوز ميزانية تدريبات بالذخيرة الحية يراد منها ذرّ الرماد في العيون، لأنها أكثر من 5 مليارات دولار، عدا تجهيز الجيش النظامي وتسليحه، وهذا استدعى ضغوطاً روسية على النظام لتأمين الأموال، لأن عقود استثمار الفوسفات والغاز متواضعة، ولم يحن بعد استثمار النفط، وهذا يفسر الحملة على بعض واجهات النظام السوري من أثرياء الحرب بهدفين؛ أولهما تأمين الأموال للخزينة الروسية، وثانيهما يندرج في سياق الخطة الروسية لتبييض صفحة النظام وإعادة الترويج لرئيسه!! تزامناً مع التحضير لاجتماع اللجنة الدستورية.