بقلم - حنا صالح
يشهد لبنان أخطر لصوصية علنية؛ تتصل إدارة المصرف بالمودع عارضة تسديد 10 في المائة من وديعته مقابل إقفال الحساب، ليربح المصرف 90 في المائة من وديعة هي جني العمر!
تُقابل احتجاجات المودعين على العمولات المفروضة على حساباتهم المصادرة، بازدراء سريالي من «البنكرجية»، فيُوصف الحساب بأنه أشبه بإشغال موقف (parking)، والحسومات لتغطية هذا الإشغال، والبديل تقاضي القيمة بالليرة على دولار يوازي 15 ألفاً، فيما السعر الحقيقي 90 ألفاً!
يوم توقفت المصارف عن الدفع للمودعين قبل 57 شهراً، وبعد إعلان حكومة حسان دياب التوقف عن الدفع، تأكد أن السطو على المال العام، الذي تفاقم مع حكومة «القمصان السود» لـ«حزب الله» التي ترأسها نجيب ميقاتي، أُتبع بنهب نحو 140 مليار دولار، هي ودائع تعود لنحو مليوني حساب مصرفي، ورغم ذلك ما من متهم ولم يقدم للمحاكمة أي مرتكب! والدعاوى التي تقدم بها مودعون سُلبت ودائعهم أُرسلت إلى الأرشيف. أما التحقيقات بالجرائم المالية المتهم بها رياض سلامة فقد تمّ لفلفتها، وبالأساس أوجبتها التحقيقات الأوروبية بجرائم مالية هو متهم بها، أفضت إلى صدور مذكرتي توقيف بحقه وتعميم صورته وكنيته على اللوائح الحمراء للإنتربول!
منذ إرساء نظام المحاصصة الطائفي مطلع التسعينات أصبح البلد تحت قبضة ميليشيات الحرب، والأليغارشية المالية وكارتلات تجارية فاسدة، أحكمت سيطرتها في ظلِّ الوجود السوري الذي قاسمها الربح. وبعد غدر القوى الطائفية بـ«انتفاضة الاستقلال» عام 2005، انتقلت المرجعية إلى «حزب الله» وكيل مشروع تسلط النظام الإيراني على المنطقة. فكان أن تشاركت هذه المجموعة السياسية الميليشيوية الفساد والنهب، بعدما توارثت الوزارات والمؤسسات وتحاصصت الدولة وأهلها، مطمئنة إلى «الحصانات» وقانون «الإفلات من العقاب».
القطاع المصرفي، وهو كارتل أخطبوطي من رجال المال والسياسة والسلطة والميليشيا، الذي رُوِج بشكل مفتعل لنجاحاته، كما نجاحات حاكم البنك المركزي رياض سلامة، تشارك مع حاكم «المركزي» أخطر ممارسة أوصلت البلد إلى الحضيض. لقد قامروا بأموال عدّها المواطنون «القرش الأبيض لليوم الأسود»، فإلى الاحتياطي وحجمه 15 مليار دولار، استثمروا لدى «المركزي» نحو 85 ملياراً بفوائد مرتفعة بشكلٍ غير طبيعي، ووظفوا 15 ملياراً آخرَ في سندات اليوروبوندز. وحتى الانهيار بلغت قيمة الفوائد نحو 90 مليار دولار كانت «حصة الأسد للبنوك والبنكرجية» كما يؤكد الاقتصادي منير يونس.
نقلوا مليارات الدولارات إلى الخارج، لأنهم كانوا على بينة بالمخاطر وبالانهيار الآتي، والأهم أنهم كانوا مرتاحين إلى وضعهم لا يخشون مساءلة ولا حساباً، فهم العمود الفقري للمتسلطين، الذين يدور في فلكهم ما لا يقل عن 85 في المائة من أعضاء البرلمان ممن ستعود إليهم حماية سرقة العصر بتشريعٍ «غب الطلب»!
استعانت حكومة دياب بخبراء وضعوا تقرير «لازارد»، الذي حمّل الكارتل المصرفي المسؤولية مثبتاً وجود إمكانية استرجاع كثير من الأموال، من أموال المصارف وملكياتها. لكن لجنة «تقصي الحقائق» النيابية نسفت التقرير بتبني نظريات سلامة وجمعية المصارف وخلصت إلى مسؤولية الدولة وتحميل السلطة وزر مقامرة «البنكرجية». وتحت شعارات مبتذلة سمّيت «قدسية الودائع» لم يشرع البرلمان قانون «كابيتال كونترول» فاستمر التحالف المافيوي الميليشيوي، بتهريب المليارات إلى يومنا رغم توقف البنوك عن الدفع! والأكيد أنه في ظلِّ تسلط «حزب الله»، استفاد كل أطراف نظام المحاصصة من المنهبة العامة، ومن بينهم بعض من يدعي السيادة، الشركاء في اللجنة النيابية لـ«تقصي الحقائق»، وثبت أن من مصلحتهم، كما الآخرين، بقاء الهيمنة الميليشيوية وعرقلة أي خطوة إصلاحية، ليرسم الاقتصادي جان رياشي المشهد بأن «السلاح يحمي الفساد الذي يحمي السلاح»!
مغتبطون بتدابير لا قانونية اتخذها مدعي عام التمييز جمال الحجار بمنع القاضية غادة عون من التحقيق بما ينسب من جرائم مالية إلى سلامة وبضعة مصارف. يتناول التحقيق رقم 25 مليار دولار، بينها عمولات «أوبتيموم» التي تفوق 8 مليارات، لا يعرف بعد من هي الجهات المستفيدة (...)، انطلق أخبث مشروع يستكمل لصوصية العصر فيبرمج نهب المستقبل بالسطو على أصول الدولة!
3 مشاريع قوانين، قمتها «أمل» و«التيار العوني» و«حزب القوات»، دعت إلى وضع أصول الدولة في صندوق «سيادي»، بذريعة استغلال العائدات للتعويض مستقبلاً على أصحاب الودائع (...) فيما الواقع يؤكد أنه مخطط لتسليع لبنان وبيعه في سوق النخاسة فيصبح الاستيلاء على الأصول العامة وسيلة لتبييض أموال منهوبة! يلتقون على وضع اليد على أصول هي لكل اللبنانيين من احتياطي الذهب إلى المرافئ والمطارات والأملاك البحرية والنهرية والمشاعات... فيحمّلون الدولة وزر لصوصية العصر، ويحمون كارتلاً مصرفياً ناهباً بمنع محاسبته ومنع محاسبة شركائه في الطغمة السياسية الاحتكارية!