بقلم - نشوى الحوفى
قديماً وضع الفيلسوف الفرنسى رينيه ديكارت قاعدته الفلسفية الشهيرة التى أوضح بها أن الشك أساس التفكير وأن من يفكر فهو على قيد الحياة. فكانت المعادلة الفلسفية «أنا أشك إذاً أنا أفكر. أنا افكر إذاً أنا موجود».
ولكن فى زماننا بات الشك وسيلة زعزعة الانتماء والعقيدة والإيمان. وأصبح التشكيك يستند على تجهيل المعلومة وتغييب العقول ونشر الأكاذيب، ولا عزاء للفكر، دون اقتصار الأمر على محدودى التعليم أو من هم معدومو المعلومة أو السُذج أو الجُهال، ولكن امتد إلى من يعتلون المناصب وأساتذة الجامعة وفنانين وخريجى جامعات ومُعممين لا يملون من حماية شكوكهم بعبارات الدين وآياته فرضاً لهيمنة التشكيك التى باتوا يدمنونها. نعم، سار التشكيك فى كل شىء أسلوب حياة، دعمه انتشار وسائل التواصل الاجتماعى التى باتت منبر من لا منبر له، فأنتج لنا زعماء «الفيس بوك» الفضائى الوهمى!
أعلم، بحكم قراءة المشهد الكونى، أن هذه الظاهرة ستزداد بقوة فى الفترة المقبلة، لا بمنطق الفوضى المراد نشره وحسب فى بلادى والمنطقة، ولكن بمنطق لويس التاسع، قائد الحملة الصليبية السابعة على مصر، حين تم أسره فى دار ابن لقمان بالمنصورة الغالية، حين قال: «تلك شعوب لا يقضى عليها السلاح ولكن يقضى عليها التلاعب فى قيمهم وعقيدتهم وما يؤمنون به». وهكذا صاغ لويس التاسع -المهزوم فى بلادى على يد فلاحى أرضها قبل المماليك- منطق نظرية التشكيك ببساطة.. التلاعب فى الأدمغة وتسييح منطقها وصهر قيمها لتكون مستعدة لهدم بلادها فى حرب لا هوادة فيها.
مثالاً لما أقول شائعة أن مصر ستقترض مبلغ 5 مليارات دولار لرد قيمة شهادات قناة السويس! خبر لا يمتلك أساس الحياة إلا بين الجهل وأشياعه، ولكنها وجدت طريقها بسهولة بين الناس، يتقدمهم من يدعون الفكر والفهم والتحليل، بينما مصدر معلومتهم موقع مجهول لم نسمع به من قبل! تجادلهم بالمنطق فتقول إنه، وبغضّ النظر عن تجهيل الموقع وغموض المصدر فى الخبر، فإن العقل يتساءل عما يدفع مصر لإصدار شهادات لقناة السويس فى العام 2014 بأعلى فائدة وقتها وكانت 12.5% بينما كان يمكنها الاستدانة بفائدة تتراوح بين نصف و1.5%؟ فيجيبونك بأن القناة لم تحقق أرباحاً قيل إنها ستكون 13 مليار دولار فى عام واحد! فتُخرج لهم كافة التصريحات التى تقول إن تلك تصريحات الفريق مميش وإنه قال إنها ستتحقق بحلول 2023 وليس فى عام. توضح لهم قيمة القناة وكيف حفرناها فى عام واحد بطول 73 كم بينما قناة بنما جرى توسعتها فى ثمانى سنوات بطول 89 كم بتكلفة 5 مليارات دولار ولم يتكلم أحد. تحدثهم عن قيمة القناة لطريق الحرير العالمى للتجارة، وقطعها الطريق على إسرائيل فى إنشاء خط سكك حديد بين يافا وإيلات، فيسفسطون بمهاترات من دون معلومة!
خذ مثلاً المنتخب وحجم السخرية التى يواجهها مع مدربه الذى ندين له بفضل لملمة أشلاء الفريق بعد ما تعرّض له فى 2011 من انهيار مُدوٍّ، وبعد أن كانت طموحاتنا تنحصر فى الصعود لكأس العالم، بات التشكيك فى قدرة الفريق على اللعب من أساسه!
وهكذا، يا سادة، بين اقتصاد وسياسة وكرة قدم وقيم وتقاليد وعلاقات وتربية بات التشكيك مهنة الباحثين عن مكانة أو المأجورين لهدم بلادى. أؤمن بالشك القائم على الفكر، لا على هوى النفس، فهل من وعى لما يحاك لنا؟
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع