بقلم: نشوى الحوفى
فى الذكرى عبرة لمن يعتبر، درس لمن يريد التعلم، خبرة لمن يسعى للإدراك. ولكن آفة حارتنا النسيان بل التوهان فى الكثير من الأحيان. هكذا حادثت نفسى وأنا أتابع خطاب حسن نصر الله زعيم حزب الله يوم الجمعة الماضى، مبرراً دون أى رجفة ندم أو خشية ضيق فى صدور اللبنانيين، ما حدث يوم الثلاثاء الماضى من انفجار فى مرفأ بيروت وقد انتهى بمقتل نحو 150 وإصابة ما يزيد على 4000، هذا غير تدمير أرجاء بيروت المهترئة بالأساس بسبب انهيار الثقة قبل الاقتصاد.
تأملت حديث نصر الله وهو ينفى أى علاقة لحزبه بإدارة مرفأ بيروت وشحنة نترات الأمونيوم، وتعجبت من حديث الرجل المتناسى لحوادث لم تزل قريبة بالذاكرة وقعت من منتمين لحزبه فى عواصم عدة على مدار السنوات العشر الماضية كان البطل فيها وبالمصادفة «نترات الأمونيوم»!! نعم حدث هذا عام 2017 فى بوليفيا، وحدث قبلها فى الكويت عام 2015 وحدث فى قبرص فى العام 2012، ولعلها كانت الكمية الأضخم حينما عثر فى بدروم منزل أحد أعضاء حزب الله على كمية تزيد على 8 أطنان من نترات الأمونيوم. فكيف لا يعلم حسن نصر الله شيئاً عن كمية تقترب من 3000 كجم من نترات الأمونيوم أو ميناء بيروت الذى يتولى 70% من تجارة لبنان التى يسيطر نصر الله على أغلبها ولا تخرج شاردة أو واردة إلا وعرفها؟
تمنيت لو تحدث نصر الله مدركاً الموقف وحجم الخسارة التى خسرها حينما أضاع بلاده التى ربطها رهينة بقبضة ملالى لا علاقة لهم بدين، واعترف بخطئه لمواطنيه، لا من باب التراجع وإكبار الأسف وإغلاق باب الصراع والدمار فقط، ولكن من باب الخوف على الذات والتعلم من الماضى القريب الذى ما زلنا نحيا ذكراه ونعيش نكباته.
فلو مد نصر الله نظره إلى العراق وتذكر الرئيس العراقى السابق صدام حسين وغزوه للكويت فى 2 أغسطس 1990 وصلفه وعنده ورفضه لكل نصيحة طلبت منه الخروج من الكويت وإعادة السلطة لحكومتها وتسوية أى خلافات عبر الطرق القانونية، لأدرك الدرس. كان على رأس المخلصين للعراق فى النصيحة الرئيس المصرى السابق محمد حسنى مبارك. هذا ليس بحديث الهوى ولكنها شهادة سفير العراق فى القاهرة فى تلك الفترة دكتور نبيل نجم، الذى وثق ما حدث من مراسلات واجتماعات ومحادثات مصرية لإقناع العراق بالانسحاب من الكويت قبل أن تتخذها الولايات المتحدة كذريعة للتدخل فى المنطقة.
هكذا شرفت بحديثى مع دكتور نبيل نجم السفير العراقى فى القاهرة منذ منتصف عام 1988، وهو ما وثقه فى كتابه الذى أهدانى إياه «فى مرمى النيران» لتقرأ كيف سعى الرئيس الراحل مبارك لتأجيل اجتماع وزراء الخارجية العرب مساء 2 أغسطس بجامعة الدول العربية لليوم التالى 3 أغسطس 1990، بعد أن طلب من الملك حسين ملك الأردن السفر لبغداد وإقناع صدام بالتراجع عن موقفه، ولكن صدام لم يستمع.
فعُقد اجتماع وزراء الخارجية العرب يوم 3 أغسطس بالقاهرة وخرج ببيان إدانة للغزو العراقى للكويت، تلاه بيان إدانة من منظمة التعاون الإسلامى، ثم تلاه استدعاء للسفير نبيل نجم للقاء مبارك فى الإسكندرية، حيث مكث معه عدة ساعات شرح له فيها مبارك خطورة الموقف، وطلب منه السفر لبغداد فى نفس الليلة راجياً إياه محاولة إقناع صدام حسين بالانسحاب للحدود العراقية الكويتية، مؤكداً أن مصر ستعمل على تأمين خروج الجيش العراقى بخير.
وسافر نجم وعاد فى اليوم التالى من بغداد مع مبعوث الرئيس العراقى عزة إبراهيم الذى نقل لمبارك تقبل صدام الانسحاب من الكويت مع رفضه عودة حكومة آل صباح للكويت، وهو ما رفضته مصر والسعودية. ليغادر عزة إبراهيم الإسكندرية فى مساء ذلك اليوم لبغداد التى أعلنت فى ساعة متأخرة ضم الكويت إليها؟! وليكن ما كان ونعرفه وندفع ثمنه ليومنا وسنظل.
تمنيت لو أن نصر الله قد تذكر التاريخ ليدرك الحاضر ومشهد الإعداد للفوضى فى لبنان الذى عاش وعانى الحرب الأهلية والاحتلال الوطنى لسنوات طويلة على يد ملوك الطوائف وهو أولهم.. ولكنهم لم يبصروا.