بقلم : نشوى الحوفي
فى حوار مع طبيب صديق حول منشور له تضمّن رأيه حول ضرورة مراعاة أحوال العاملين بالقطاع الصحى فى ظل أزمة كورونا بعد تزايد إصاباتهم بالفيروس، وبخاصة فى مستشفيات العزل، أعربت عن تأييدى لوجهة نظره ودعائنا لهم ليخرجوا بسلام مع كل ما يقدمونه من تضحية، لأُفاجأ بتعليق لطبيب آخر يقارن بين الأطباء والتمريض وبين رجال الجيش قائلاً بسخرية إنهم ليسوا من الجيش ليزيد الاهتمام بهم!! سارعت بالرد عليه فى إطار النقاش قائلة إنه لا وجه للمقارنة بين الأطباء والتمريض والجيش، فكلاهما يؤدى واجبه، وإنه لا يستطيع أن يحيا حياة الجيش الذى يقف على خط المواجهة طيلة الوقت لا فى الأزمة فقط، ليكون رد الطبيب أن «المطبلاتية» أمثالى يعادون الأطباء، ودليله رأيى الذى كتبته عن نقابة الأطباء وهجومى عليها؟!! تفاجأت من مستوى التفكير والحوار، فالمفترض أننى أحادث طبيباً تجاوز العقد الرابع من عمره أى أنه على مستوى من العلم والخبرة والرقى ويعلم كيفية النقاش.
كنت كتبت أنتقد موقف نقابة الأطباء التى نشرت على موقعها على الفيس بوك خطاب الأكاديمية العسكرية الداعى لعقد اجتماع لمناقشة إمكانية أن يصبح الصيدلى طبيباً وكيفية إتمام ذلك، وردها الرافض للخطاب، وكأن الفيس بوك منوط بهذا. وتناست النقابة أنه ليس من دورها وضع سياسات صحية وفقاً للائحتها، وتناست النقابة أن الفيس بوك ليس المكان الملائم للرد على منشورات رسمية مع مؤسسات الدولة، وتجاهلت النقابة تجارب مماثلة فى دول أخرى دعت لنفس الفكرة مع انتشار كورونا تحسباً لطوارئ مع تزايد أعداد المصابين والوفيات كما حدث فى بريطانيا. وقلت: لا أناقش الفكرة، فذلك اختصاص المتخصصين فى الدولة، ولكن أناقش المهنية والأداء المسئول. وبالتالى فموقف النقابة فاسد بالنسبة لى. كان هذا ما قلته، ولكن رأى الطبيب أن هذا «تطبيل»!
ثم كان نقاش آخر على منشور آخر مع أصدقاء أُخر عن مسلسل الاختيار، وكانت صاحبته قد كتبت أنه ينقصه عناصر فنية وأنه تجاهل المسيحيين فى الجيش، وجاء الخطاب بين منسى وجنوده مفتعلاً ومباشراً، فعلقت وقلت إن المسلسل لا يمكن تقييمه فى إطار الأعمال الفنية الأخرى، ولكن يمكن إدراجه فى أعمال الديكيودراما أى التى تجمع بين التسجيلى والدراما، بل يغلب عليها الجانب التسجيلى، بدليل أن الحوارات مأخوذة من الواقع، كما أننا لا حاجة لنا للتمييز بين مسيحى ومسلم، فتلك هى عظمة الجيش المصرى ككتلة منتمية لوطن، وأن الحوار الذى نراه فى المسلسل هو الحوار الطبيعى لمن عمل أو أدى التجنيد، لأُفاجأ بتعليق شخص على كلامى بأن المطبلاتية أمثالى يبررون أى موقف للدولة بالحق والباطل!! وأنه حتى المخرج رغم كونه مسيحياً خاف على أكل عيشه ولم يُظهر المسيحيين فى المسلسل؟!!
لم أنزعج من التطاول على شخصى الضعيف، فالإساءة تخص صاحبها وتعبر عنه. ولكننى حزنت من مستوى التفكير عند شخصيات المفترض فيها العلم والخبرة والقدرة على النقاش كما تدّعى طلباً للحرية وعرض فكرتها بالحجة والاستماع للآخر والاقتناع بحديثه وفقاً للمنطق أو إقناعه بحديثها وفقاً للفكر. ولكن، وكما قلتها منذ سنوات، نحن فى أزمة فى مجتمع بات فيه المؤيد للدولة مخادعاً وهو توصييف لا علاقة له بما نسعى له من قبول للآخر وقدرة على التعبير عن الرأى وتفهُّم لأبعاد النقاش وتحديد خريطة للحوار قائمة على الاحترام، لا إرهاب الإساءة ليصمت من يحادثنى وينسحب أو يرد الإساءة بمثلها. نحن فى أزمة تحتاج لجهود المجتمع ككل، بدءاً من الأسرة والمدرسة والمسجد والكنيسة والإعلام والثقافة. فهل ندرك أننا بشر يمكننا الاختلاف وامتلاك رؤى متعددة ومحاورة بعضنا البعض دون إساءة؟