بقلم: نشوى الحوفي
تداولت مواقع الأخبار العالمية منذ أسابيع خبراً عن سؤال تضمَّنه امتحان الصف الخامس الابتدائى فى الصين أثار حيرة الطلاب، وكان مفاده: سفينة عليها 17 خروفاً و12 ماعزاً فكم يبلغ عمر قبطانها؟!!
تابعت قراءة الخبر الذى تضمن رأى واضعى الامتحان فى الصين، وإجابات بعض الطلاب. فقال الخبراء إن السؤال ينتمى إلى فئة الأسئلة التحليلية الهادفة لقياس قدرات الطالب على تحليل المشكلة ومحاولة الوصول لحل أو إجابة لها اعتماداً على معلوماته عن البيئة التى يحيا فيها.
أعجبنى منطق السؤال المتضمن لرؤية كيفية صناعة الإنسان القادر على التحليل والتخيل. ولكن زاد إعجابى بإجابة تضمَّنها الخبر لأحد الطلاب، الذى أثبت نظرية واضع السؤال. فقد كتب مجيباً: «إذا كان عمر الحصول على رخصة قيادة سفينة فى الصين هو 23 سنة، وإذا كان متوسط وزن الحمولة من الحيوانات مجتمعة نحو 7000 كجم، وإذا كان القانون ينص فى الصين على ألا تقل خبرة قبطان السفينة التى تزيد حمولتها على 5000 كجم عن 5 سنوات فى مجاله، فإن عمر قبطان السفينة لا يقل عن 28 سنة».. انبهرت بالإجابة، وتساءلت ماذا لو تجرَّأ واضع أسئلة امتحانات فى مصر على وضع مثل ذلك السؤال لمرحلة ثانوى لا مرحلة ابتدائى؟! ترى ماذا سيكون مصيره؟
تذكرت الخبر وأنا أتابع مشاهد الأمهات خارج لجان امتحان الثانوية العامة والقلق السنوى لأبنائنا فى موسم ثانوية عامة، والشكوى المتكررة من وجود أسئلة من خارج المنهج تعيق تقفيل الامتحان!! وأدركت مرة أخرى احتياجنا لتغيير نظرتنا للتعليم ودعم الأسلوب الساعى لصناعة الإنسان وتكوين عقله الناقد القادر على انتقاء المعلومات.
أولها أولياء الأمور الباحثون عن مجموع وشهادة لأبنائهم تُعلَّق على الحائط المائل بهم حين يخرجون لسوق عمل لا يملكون مقوماتها. جزء من ذلك الأمر استمر على مدى عقود بسبب غياب الدولة عن التخطيط لمستقبل أبنائها بربط التعليم بالتشغيل، وجزء آخر يتعلق بثقافة الأهل الذين لا يعنيهم إلا اسم الشهادة.
ثانيها وضع السادة المدرسين الذين يعانى أغلبهم من غياب الأسس الصحيحة لمهارات التعليم وتتهافت مساعيهم على زيادة دخولهم، فباتوا أول عثرة فى تطوير التعليم عِنداً وجهلاً، لأنهم لا يريدون التطوير بمنطق هذا ما وجدنا عليه آباءنا، أو فساداً لاستمرار مصالحهم فى الملزمة والدرس الخصوصى.
وثالثها الطلبة أنفسهم التائهون بين بيت يريد المجموع، ومدرسة لم تعد تعلم، ومدرس لا يسعى إلا وراء المادة إلا مَن رحم ربى. والأهم أن نفس هؤلاء الطلبة هم جيل الإنترنت المختلف المتمرد على كل شىء، ولكنه فى قضية التعليم هو المتمسك بقديمه.
ورابعها وزارة التعليم ذاتها ومسئولوها الحائر بعضهم بين انتمائه للقديم، والمُصر بعضهم على هدم كل ما هو قديم، فباتوا بحاجة لتوحيد الرؤية ومنظومة العمل الساعية لتحقيق مستهدف من تدريب معلمين بشكل جاد وحاسم، وتنفيذ خطوات بمنطق التدرج والتقييم والمتابعة والتواصل مع كافة أطراف عملية التطوير.
أؤمن بأن تطوير التعليم منظومة ثلاثية الأبعاد، بها بيت ومُعلم ووزارة، هدفهم منتج تعليمى هو الطالب الذى هو المواطن المتحمل للمسئولية بعد سنوات. وكلنا مسئولون، ويجب ألا نتعامل مع كل مُطور بمنطق جزيرة العميان التى صدَّقت أن العمى هو الحقيقة، وحينما جاءهم مبصر يحاول تغيير حياتهم أجبروه على الإيمان بغياب بصرهم، وكادوا يقنعونه بفقء عينَيه ليصبح مثلهم!
فتطوير التعليم فرض فى زمن الثورة الصناعية الرابعة التى يتسابق فيها العالم، وعلينا اللحاق بركبهم بفكر ومنهج ودعم مجتمعى