بقلم: نشوى الحوفى
فى الفهم إدراك وفى الإدراك نجاة كما تقول صديقتى الأديبة ريم بسيونى. ومن هنا أتوقف معكم عند تفصيلة ربما توضح بعضاً من مشاهد التطبيع البحرينى المعلن مؤخراً مع إسرائيل فى واشنطن. فعلى الرغم من وجود اليهود فى شبه الجزيرة العربية منذ قرون عديدة سبقت رسالة رسولنا الكريم محمد صلوات ربى وسلامه عليه، فإن وجود اليهود فى دولة البحرين فى العصور الحديثة وبالأخص فى نهايات القرن التاسع عشر، كما تذكر الوثائق، يعود إلى هجرة عدد من يهود العراق -تحديداً من البصرة وبغداد - وإيران -وتحديداً من مدينة بوشهر- إلى ذلك البلد الصغير ذات الأغلبية الشيعية. صحيح أن العدد لم يكن بالضخم، حيث لم يتجاوز الألف على أقصى تقدير، ولكن حظى اليهود فى البحرين بنعمة التعايش مع أهلها حتى صاروا مواطنين بحكم الاستقرار فيها على مدى قرنين من الزمان.
فى ثلاثينات القرن الماضى افتتح يهود البحرين كنيسهم فى المنامة بتمويل من تاجر لؤلؤ يهودى فرنسى الجنسية، ولا زال قائماً ليومنا هذا يضم صلواتهم هناك. بينما اشتهر سوق الأقمشة البحرينى منذ القدم باسم سوق اليهود، نظراً لمهارتهم فى التجارة والبيع كما حالهم فى كل دول العالم. ولم تذكر أى حادثة تعكر صفو اليهود فى البحرين حتى مع إعلان قيام دولة إسرائيل وهجرة الكثير منهم خارج البحرين، سواء ذهبوا لإسرائيل أو لغيرها من بلاد العالم. ولكن من عاش فى البحرين لم تختل مواطنته بسبب ديانته اليهودية، بل على العكس من ذلك مارسوا حياتهم بشكل طبيعى والتحقوا بالعمل فى شتى قطاعات التشغيل كالبنوك والتعليم والتجارة والسياسة أيضاً.
نتوقف أمام اسمين ربما كانا الأشهر فى البحرين من بين أبناء المواطنين البحرينيين المنتمين للعقيدة اليهودية: هما عضوة مجلس الشورى البحرينى نانسى خضورى، التى تنتمى عائلتها إلى يهود السفارديم، أى القادمين من البرتغال وإسبانيا، وهدى النونو، عضوة مجلس الشورى البحرينى وسفيرة البحرين السابقة بالولايات المتحدة الأمريكية. التى كتبت مقالاً فى الشرق الأوسط اللندنية مؤخراً تثمن فيه جهود بلادها فى توقيع السلام مع إسرائيل، واصفة إياه بالخطوة التى يمكنها تحقيق ما لم تستطع سنوات الصراع على مدار 70 عاماً تحقيقه.
حيث قالت: «علمتنى الدبلوماسية أن طريق السلام بمثابة طوق النجاة لنا جميعاً، وعلى مدى أكثر من خمس سنوات قضيتها سفيرة لوطنى البحرين لدى الولايات المتحدة، أيقنت أننا جميعاً نبحث عن السلام، واليوم يحق لى القول وكلى فخر بوطنى البحرين وأمل بالمستقبل، بأنها لحظة تاريخية، ستنقل منطقة الشرق الأوسط إلى عصر جديد عنوانه النهوض والازدهار والتنمية، عصر يخلو من وباء العنف والتطرف والإرهاب. لحظة تؤكد فيها البحرين التى تعمل على الدوام مع الأشقاء والأصدقاء والحلفاء على إحلال السلام، إنها موطن السلام وصوت العقل المُدرك والحكمة السديدة، والتى التزمت على الدوام قرارات الشرعية الدولية، المتعلقة بإقامة العلاقات الدبلوماسية المبنية على الاحترام المتبادل والمصلحة الوطنية».
هكذا يمكن رؤية الوضع فى البحرين، تلك الجزيرة العربية التى لا يتجاوز تعدادها على أقصى تقدير 1.5 مليون نسمة، وترتبط مع السعودية بجسر الملك فهد، لا ليكون معبراً بينها وبين شبه الجزيرة العربية فقط، ولكن ليزداد ارتباطها بالمملكة السنية حماية لها من ملالى إيران الشيعة الذين يصرون على تهديد الجزيرة الصغيرة بتصدير ثورتهم لها لتتمكن أغلبيتها من الحكم، كما حدث فى العام 2011 حينما اجتاحتها رياح خماسين ما أسموه بالربيع العربى سعياً لسيطرة الشيعة. لولا دعم المملكة العربية السعودية لنظام حكمها خشية تمدد الثورات. فالبحرين التى أعلنت انضمامها لقافلة التطبيع مع إسرائيل بعد الإمارات يعيش يهودها كمواطنين دون تمييز بسبب عقيدة. تماماً كشيعتها الذين يعيشون المواطنة وإن شكوا التمييز. ولكن واقعها وضعها بين رحى شاطئين، شاطئ إيران الساعية للسيطرة باسم الدين لتغيير الهوية. وشاطئ إسرائيل الساعية لفرض الهيمنة الصهيونية! فهل السلام مع إسرائيل أهون من المهادنة مع إيران؟ الاثنان وجهان لعملة واحدة وإن تصارعا استغلا الدين لصالح إقامة الدولة الدينية. لذا فالسلام مع إسرائيل لا بد أن يكون حذراً مستيقظاً لكل تحركاتها فهى لا تسعى لأى سلام ولكن ما تدعيه ملمح مختلف من أساليب الابتلاع.