بقلم: نشوى الحوفى
ما زالت حرب السادس من أكتوبر 1973 علامة -وستظل- فى تاريخ البشرية، كجميع الأحداث التى أثرت فى العالم وغيرت مساره لا على المستوى السياسى أو العسكرى وحسب ولكن على المستوى المخابراتى أيضاً. هذا ليس مجرد كلام منبعه فخرى بجيش أنتمى له فى وطن يدافع عنه كلانا، ولكنه حديث عدونا لا فى كتب التاريخ التالى للحرب، بل فى كتب أصدروها حديثاً منذ عدة سنوات.
ففى إسرائيل صدر كتاب عنوانه «الأبحاث الاستخباراتية» فى أبريل من العام 2015. مؤلفه هو إيتى بارون الذى شغل منصب رئيس وحدة البحوث فى الاستخبارات العسكرية المعروفة باسم أمان فى الفترة من 2011-2015 -أى سنوات ما عرف لديهم باسم ثورات الربيع العربى-. الكتاب المكون من 7 فصول، تناول فصله الأول حرب أكتوبر وأسباب هزيمة إسرائيل فيها، وهو ما يدحض كل تلاعبهم بالألفاظ ومجادلتهم حول أنها حرب لم تحسم فيها الهزيمة لصالحهم أو النصر لصالحنا! فهم يعرفون ويدركون أنها حرب ذاقوا فيها وبال الهزيمة لا العسكرية فقط ولكن هزيمة الصورة التى صدروها للعالم بعد حرب يونيو 1967 وأكذوبة الجندى الذى لا يُهزم. فيقول المؤلف: «يجدر بنا تحديداً أن نشير إلى الفشل الاستخبارى الذى منيت به إسرائيل فى حرب يوم الغفران والحاضر بشدة حتى بعد مرور أكثر من أربعين عاماً على اندلاعها.. لقد أدت حرب يوم الغفران إلى تركيز الاهتمام على التحذير من نشوب حرب ومن قضية المفاجأة، إلا أن الدرس الأهم المستفاد من هذه الحرب أكثر رحابة واتساعاً، ويبدو أنه لا بد أن تمر سنوات طويلة لكى نتأمله بصفة أساسية من الناحية العملية أكثر من الناحية النظرية وأعنى به الاستخبارات المتوازنة التى تهتم بجوانب ومجالات أخرى يمكن أن يؤدى النجاح فيها إلى الحد من تأثيرات وتبعات المفاجآت الاستراتيجية».
إذاً هم ما زالوا يدرسون خيبتهم يوم السادس من أكتوبر 1973 ويدرسون فشلهم مخابراتياً وعسكرياً وعنصر المفاجأة الذى امتلكه الجيش المصرى بجنوده وضباطه ورجاله وقادته. ويضيف الكاتب: «على الصعيد الاستخباراتى فقد فشلت شعبة أمان «الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية» فى توقع نوايا العدو وقيامه بشن حرب فى أكتوبر 73 وفى توقيت بدء الحرب وهو ظهر السادس من أكتوبر، وبالتالى فشلت فى مجال التحذير والإنذار، وإلى جانب هذا الفشل كانت هناك ثلاثة إخفاقات أخرى هى: الفشل الاستخبارى فى تحديد الأهداف، الذى انعكس فى عجز سلاح الجو عن المساعدة فى المعارك البرية، والفشل فى ميدان بناء القوة أى فى فهم القدرات الجديدة للطرف الثانى، خاصة بالنسبة للصواريخ الشخصية المضادة للدبابات وللطائرات وصواريخ أرض-جو، والفشل فى مجال الاستخبارات العملياتية أى فى فهم استعدادت الجيش الإسرائيلى للدفاع سواء فى الجولان أو سيناء».
ويواصل العميد المخابراتى الإسرائيلى «بارون» تحليله فى كتابه عن الفشل الإسرائيلى فى حرب أكتوبر فيقول: «كانت شعبة أمان تقدر بأن مصر لن تشن الحرب إلا إذا تسلحت بطائرات مقاتلة قاذفة وأن سوريا لن تشن الحرب بدون مصر. ربما كان هذا التقدير صالحاً فى عهد جمال عبدالناصر، لكنه أغفل التغيير الجوهرى الذى حدث فى الاستراتيجية المصرية بعد تولى السادات للحكم وهو اعتزامه شن حرب لتحقيق أهداف إقليمية محدودة تتناسب مع قدرات الجيش المصرى وتؤدى إلى تحريك العملية السياسية». ويضيف بارون: «مع بداية الحرب وجد سلاح الجو الإسرائيلى نفسه أمام تشكيل من صواريخ أرض جو كثيف على الجبهتين المصرية والسورية، وركزت الاستخبارات اهتمامها على البطاريات الجديدة ولكنها لم تفلح فى فك طلاسمها وأسرارها وأخطأت خطأً كبيراً فى فهم نظرية وعقيدة استخدامها. كذلك فوجئ سلاح الجو الإسرائيلى بتشكيلات الصواريخ المضادة التى أقامها المصريون فى سيناء والتى اعتمدت على سلاح مشاة متخندق ومتمترس مزود بصواريخ مضادة للدبابات، كما فوجئ بنظرية استخدامها وعقيدتها القتالية. كل ذلك أدى إلى سقوط عدد كبير من الطائرات الإسرائيلية فى الحرب وكذلك تدمير أعداد كبيرة من الدبابات والمدرعات. مما أكد مقولة أن الفشل فى تقدير قدرات العدو يفوق الفشل فى التحذير من شن الحرب». هكذا يتحدث بارون عن فشل مخابرات إسرائيل العسكرية فى التنبؤ بقدرات الجيش المصرى وإعادة ترتيب أوضاعه، ليفشل معها الجيش الإسرائيلى فيعانى هزيمة تصاحبه ليومنا هذا.
وللحديث بقية..