بقلم : نشوى الحوفي
تلقيت اتصالاً هاتفياً من طبيب من مدينة أبوقرقاص أخبرنى بصوت يملؤه الشجن تأييده القائم على يقين الفهم لكل ما فعله ويفعله الرئيس عبدالفتاح السيسى للبلاد منذ تقلده مهام وزير الدفاع فى عام 2012، وانبهاره بكل ما رآه على شاشة التليفزيون خلال مؤتمر الشباب السابع الذى انعقد فى العاصمة الإدارية منذ أيام، وقال لى: مَن يصدق أن نقوم بكل هذا فى غضون خمس سنوات وقد راهن على انهيارنا الجميع؟ ولكن -والحديث له- أتألم كغيرى من بيروقراطية الموظفين مهما علا منصبهم أو كانت مسميات مهامهم. وضرب لى مثلاً بطريق أبوقرقاص - المنيا، حيث يعيش، قائلاً: «تخيلى حضرتك الرئيس خلص حفر قناة السويس الجديدة فى سنة بطول 73 كم وعمل شبكة طرق لربط مصر ببعضها بطول 3500 كم فى 5 سنين، لكن طريق أبوقرقاص - المنيا طوله 20 كم فقط، ولا يحتاج إلا للرصف لتسهيل الانتقال على الموظفين والطلبة بسلام ومن غير حوادث، لكن الطريق بيترصف من 3 سنين! ولم ينته غير 10 كم منه لحد النهارده، رغم حضور وزير النقل السابق والمحافظ لزيارة الطريق ووعودهما بسرعة رصفه!! أرجوكِ اكتبى، يمكن صوتك يوصل للمسئولين اللى مش مدركين إن الشباب اللى بيتفرج على التليفزيون مش بيصدق اللى بيشوفه رغم أنه حقيقة لأنه عايش الواقع اللى بيقول إن الأمور البسيطة لسه على حالها ومصر محتاجة مليون سيسى فى كل حتة عشان يراجع كل شىء بنفسه».
أتفق مع هذا الطبيب المواطن من أبوقرقاص فى وجود فجوة بين ما يراه الشباب من افتتاح لمشروعات ضخمة على شاشة التليفزيون، وبين ما يواجهونه فى بيئتهم على النطاق الأضيق مهما اختلفت التفاصيل، وهو ما يخلق حالة من التشتت والحيرة وربما عدم تصديق ما يحدث حولهم وكأن هناك من يتعمد إفقادهم الانتماء والإيمان بما يحدث على أرض بلادهم بسلبيته أو غياب كفاءته أو إدراكه لما يجب عليه القيام به.
تذكرت مع حديث الطبيب الفاضل ما روته دكتورة غادة والى، وزيرة التضامن، عند افتتاحها مركز التأهيل وعلاج الإدمان بمرسى مطروح مؤخراً، وقد كان لى شرف الحضور لأرى مركزاً على أعلى مستوى، ولكن قصة المركز مُبكية مضحكة. قالت الوزيرة إنه مع توليها الوزارة طلبت حصراً لكل ممتلكات وأصول الوزارة، كان منها ذلك المبنى فى مرسى مطروح الذى انتهى بناؤه فى عام 1999 لاستخدامه كمبنى لتدريب العاملين بوزارة التضامن، وتكلف بضعة ملايين، ولم يُفتتح بسبب رفض وزارة المالية التصديق على مرتبات للعاملين به، لأن وزارة التضامن لم تبلغها به قبل إنشائه!! وهكذا ظل المبنى مهجوراً حتى تم نهبه بعد أحداث يناير 2011!! وحينما علمت دكتور غادة والى بالأمر أصرت على إعادة تأثيثه وصيانته وإعداده ليكون مركزاً لتأهيل مرضى الإدمان بالمواصفات الدولية المتعارف عليها، لوجود كثافة بمستشفى المعمورة وقوائم انتظار لعلاج مرضى الإدمان فى المحافظات المحيطة بالإسكندرية. وهكذا بقى المبنى مغلقاً لسنوات فى انتظار قرار قائد لا موظف، وشتان بين الاثنين.
الرابط بين الموقفين فى أبوقرقاص ومطروح هو عقلية الموظف التى تعمل بالروتين وحاجتنا إلى من يحطم تلك العقلية ومبرراتها وأفقها الضيق، فلا معنى أن يتم رصف نصف طريق طوله 20 كم فى ثلاث سنوات كما لا معنى لترك مبنى عدة سنوات لأن لا أحد يريد اتخاذ القرار لولا طلب وزيرة التضامن قائمة أصول الوزارة. ولذا فحديثى لكل مسئول فى موقعه نحتاج لإرادة الإدارة بحساب الإمكانيات لا إهدارها بإهمالها. ووضع احتياجات المواطن البسيطة فى قائمة الأولويات ما دمنا فى موقع المسئولية